تهديد أوروبي لطهران ينذر بإشعال أزمة "النووي"

غداة تعهد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، «باتخاذ جميع الإجراءات لضمان عدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً»، أكدت مصادر دبلوماسية أن طهران تلقّت تهديداً أوروبياً بتفعيل آلية إعادة العقوبات الأممية إذا ما واصلت تخصيب اليورانيوم إلى المستوى القريب من إنتاج الأسلحة النووية، الأمر الذي يهدد بإشعال أزمة البرنامج النووي الإيراني من جديد، وذلك في وقت تجد فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها صعوبة في التعامل مع غزو روسيا لأوكرانيا وتصاعد التوترات مع الصين.

وقال ثلاثة مسؤولين أوروبيين إن بريطانيا وفرنسا وألمانيا حذرت إيران من أنها ستثير مسألة إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة إذا رفعت طهران نسبة تخصيب اليورانيوم إلى المستوى الذي يرتقي لإنتاج سلاح نووي.

ويؤكد التهديد، الذي صدر العام الماضي في رسالة بعث بها وزراء خارجية الدول ولم تنشرها تقارير من قبل، مخاوف الغرب من أن إيران قد تُنتج يورانيوم بدرجة نقاء تبلغ 90 في المائة المستخدم في صنع قنابل.

وتفاقم القلق الأوروبي في فبراير (شباط) بعد أن كشف مفتشو الأمم المتحدة عن عثورهم على جزيئات يورانيوم بلغت درجة نقائها 83.7 في المائة في منشأة «فوردو» شديدة التحصين.

وربما يأتي تجدد الأزمة بشأن إيران في وقت سيئ بالنسبة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يركز على استمرار دعم الحلفاء للحرب في أوكرانيا وعلى حشد الدول الغربية للتصدي لطموحات الصين العسكرية والدبلوماسية.

وأشارت «رويترز» إلى محاولات بعض المساعدين بالبيت الأبيض إبعاد إيران عن اهتمامات الرئيس، لكنّ مسؤولين ومحللين قالوا إنها رفاهية قد لا يتمتعون بها.

وقال دبلوماسي غربي، طلب عدم نشر اسمه: «إنهم مشغولون بأوكرانيا وروسيا ولا يريدون في الوقت الحالي فتح جبهة أخرى... لذا يريدون فعل كل ما في وسعهم لمنع حدوث ذلك»، في إشارة إلى التخصيب إلى درجة نقاء 90 في المائة.

«إعادة فرض» عقوبات الأمم المتحدة؟

يخشى مسؤولون غربيون أن تهدد إيران، إذا أصبحت مسلحة نووياً، إسرائيل ودول المنطقة، وتُشعل سباقاً إقليمياً على التسلح.

وتواصل إيران التي تنفي السعي لامتلاك أسلحة نووية، مراكمة يورانيوم عالي التخصيب في منشأة «نطنز» منذ أبريل (نيسان) 2021. وتسارعت وتيرة تراكم اليورانيوم عالي التخصيب، منذ نوفمبر الماضي.

ويبحث مسؤولون أميركيون وأوروبيون عن سبل لكبح برنامج طهران منذ انهيار المحادثات الأميركية - الإيرانية غير المباشرة بشأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة.

واشترط الاتفاق، الذي استهدف منع إيران من تطوير سلاح نووي، على طهران قبول قيود على برنامجها النووي ومزيد من عمليات التفتيش المكثفة من الأمم المتحدة، مقابل إنهاء عقوبات الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ووضعت الصفقة سقفاً لتخصيب إيران لليورانيوم عند 3.67 في المائة. وفي عام 2018 تخلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، عن الاتفاق الذي انتقد عدم شموله البرنامج الإيراني للصواريخ الباليستية، وأنشطتها الإقليمية المتمثلة بـ«الحرس الثوري».

وترك كثير من العقوبات التي أعاد ترمب فرضها، تأثيراً ثانوياً تَمثّل في إجبار الشركات غير الأميركية على التوقف عن التعامل مع إيران وإلا ستغامر بفقدان إمكانية دخول السوق الأميركية، لكن العقوبات المنصوص عليها في ستة قرارات أممية جُمّدت بموجب القرار (2231) الصادر بعد الاتفاق النووي، لا تزال مجمدة.

وحدد الاتفاق النووي آلية «سناب باك» التي من شأنها إعادة عقوبات الأمم المتحدة التي تتضمن الحظر النفطي والقيود المصرفية، إذا ما تخلت إيران عن التزامات الاتفاق النووي. وتستطيع أي من الدول التي وقّعت على الاتفاق الأصلي تفعيل إعادة فرض العقوبات.

ولم تفلح العقوبات الأميركية، حتى مع آثارها الثانوية، في منع إيران من إنتاج مستويات أكثر نقاءً من اليورانيوم، ولم تأبه لها الصين واشترت النفط الإيراني، مما يثير الشكوك فيما إذا كانت إجراءات الأمم المتحدة قد تكون أكثر فاعلية.

لكن قد تمتنع إيران عن التخصيب إلى درجة 90 في المائة لتجنب التوبيخ العلني الضمني في عودة عقوبات الأمم المتحدة.

وقال مسؤول إيراني كبير في المجال النووي لوكالة «رويترز» إن طهران لن تستسلم لإحياء عقوبات الأمم المتحدة دون مقاومة. وأضاف: «إذا أثارت الأطراف الأخرى ذلك تحت أي ذريعة، فسيكونون مسؤولين عن كل العواقب... رد فعل إيران قد يتراوح من ترك معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية إلى تسريع عملنا النووي».

والانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي سيجعل إيران حرة في تطوير أسلحة نووية.

ويفك تهديد المسؤول الإيراني الذي تحدث لـ«رويترز»، شفرة الرسالة التي وجهها المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، خلال المؤتمر الصحافي الأسبوع الماضي، الذي قال: «في حال ارتكب الطرف الآخر خطأً في حساباته واتخذ إجراءات غير منطقية حول الاتفاق النووي ومسار المفاوضات بناءً على رسائلنا السابقة فإنهم يعلمون ماذا سيكون رد إيران على هذه القضية، كانت رسالتنا واضحة بما فيه الكفاية».

ولم يتضح بعد إذا ما كانت الجزيئات المخصبة بنسبة 83.7 في المائة قد تم تخصيبها عمداً. لكنّ مسؤولين ومحللين غربيين يقولون إن إنتاج إيران يورانيوم مخصباً بنسبة 90 في المائة سيتطلب رداً شديداً.

*** تعهد أميركي

وقال مستشار الأمن القومي الأميركي سوليفان إن واشنطن لا تزال تسعى إلى حل دبلوماسي للتحدي الذي تشكله طهران. وأشار سوليفان إلى أن واشنطن تعمل مع حلفاء من بينهم إسرائيل لردع إيران عن تطوير سلاح.

وقال سوليفان في تصريحات، خلال مؤتمر لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن الولايات المتحدة لا تزال تسعى إلى حل دبلوماسي لبرنامج إيران النووي، وأعرب عن أسفه لقرار ترمب في 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. وأضاف: «سنواصل إرسال رسالة واضحة حول تكلفة وعواقب المبالغة في ذلك، بينما نواصل في الوقت نفسه البحث عن إمكانية التوصل إلى نتيجة بوساطة دبلوماسية تعيد برنامج إيران النووي إلى الصندوق». وأكد: «نعم، سنتخذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً». وتابع: «في نهاية المطاف، هذا هو الاختبار الأساسي: عدم تمكن إيران من امتلاك سلاح نووي. ليس لديهم اليوم ولا يمكنهم امتلاك واحد». وأوضح: «أكد الرئيس بايدن مراراً وتكراراً أنه سيتخذ الإجراءات الضرورية للالتزام بهذا البيان، بما في ذلك الاعتراف بحرية إسرائيل في العمل».

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن «الخطر النووي الإيراني على الصعيد العالمي أكثر بـ50 مرة من الخطر الكوري الشمالي». وأضاف خلال لقائه وفداً من المشرعين الأميركيين إن إيران «إنها ليست مجرد دولة متنمرة مثل الأسرة الحاكمة التي تحكم كوريا الشمالية... إنها قوة آيديولوجية تنظر إلينا (إسرائيل) على أننا الشيطان الصغير، وتنظر إليكم على أنكم الشيطان الأكبر».

جاءت تصريحات نتنياهو بعد ساعات من تحذير وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، من أن لدى إيران ما يكفي من اليورانيوم لإنتاج 5 قنابل نووية.

والشهر الماضي، أبلغت إسرائيل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ودولاً أوروبية عدة بأنها قد توجه ضربة عسكرية إلى إيران إذا خصّبت اليورانيوم فوق مستوى 60 في المائة.

«ستواجه أزمة في مرحلة ما»

صحيح أن المسؤولين الغربيين يريدون ترك المجال مفتوحاً للدبلوماسية، لكنّ التوترات مع روسيا والصين تجعل ذلك أصعب.

وأدت الانقسامات بشأن حرب أوكرانيا، التي شهدت تقديم إيران مساعدات عسكرية لروسيا، وتفاقم التوترات الصينية - الأميركية إلى تقليص احتمالات إحياء الاتفاق لأنه من غير الواضح إلى أي مدى قد تضغط موسكو أو بكين من أجل إحيائه.

وإذا وصل الاتفاق إلى طريق مسدود فسيكون لدى الغرب ثلاثة خيارات عموماً: الردع، والعمل العسكري، والتوصل إلى ترتيب جديد من خلال التفاوض.

وللردع جانب سلبي، فهو قد يمنح طهران الوقت للتسلل نحو امتلاك أسلحة نووية.

وأشار دنيس روس، وهو دبلوماسي أميركي مخضرم يعمل الآن في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، إلى أن بايدن قد يضطر إلى بذل جهد أكبر لجعل إيران تخشى عواقب التخصيب إلى مستويات أعلى. وقال: «إذا لم تفعل ما يكفي لإقناع الإيرانيين بمغبة المخاطر التي يتجشمونها، فستواجه أزمة في مرحلة ما لأنهم سيصلون إلى 90 في المائة» من تخصيب اليورانيوم أو يتجهون نحو التسليح. وأضاف روس: «ما ترونه هو محاولة للسير على هذا الحبل المشدود».