المصدر: النهار
الخميس 10 حزيران 2021 14:26:00
أين أنتم من الذي يحدث معنا؟ أين أنتم من المستشفيات والذل والموت؟ هل يرضى أحد منكم أن يخسر ابنه لأنه لم يجد سريراً في العناية الفائقة؟ أم أن أولادكم يسافرون لتلقي العلاج في الخارج لأنهم أبناء مسؤولين وأصحاب نفوذ؟
بئس هذه العيشة وبئس هذه الدولة؟ لن نستجدي ضمائركم، فهي لم تهتز في جريمة 4 آب التي قتلت المئات وشرّدت الآلاف. لن نتحدث عن الرسالة الانسانية والواجب الوطني، أنتم بعيدون جداً عن هذه المفردات، نسألكم فقط كيف تنامون على وسائدكم "ونحن نموت كل يوم بذل الموت"؟، هل علينا أن "نموت مية موتي لتشعرو بوجعنا ومعاناتنا وهمومنا؟".
ماريا موسى، أم مفجوعة خسرت ابنتها التي تبلغ من العمر 4 سنوات، عضت على جرحها، كابرت على وجعها وقالت ما نقوله في الخفاء: "ضميركم مات، ويلكم من الله".
تُشاركنا ماريا تفاصيل ما جرى معها، علّها توقظ ضمائر المسؤولين والمعنيين. القطاع الصحي ينزف، صرخات عدة أطلقناها للتحذير مما ستؤول اليه الأمور، ولكن من يدفع الثمن المواطن. وهذه المرة كان الثمن غالياً جداً.
هل توقظ وفاة ميلا الطفلة ضمائر المسؤولين والعاملين في القطاع الصحي؟ هل من يُعيدها إلى الحياة؟ صرختة والدتها اليوم أكبر شهادة حيّة للذل والوجع و"البهدلة" التي يعيشها المريض وعائلته في هذا البلد، ألا يكفينا ما نعيشه من ذل يوميّ؟
ترفض ماريا السكوت عما جرى، حرقة قلبها أن "أحداً لم يحاول المساعدة، رفضت مستشفيات كثيرة استقبال ابنتها وهي بحالة حرجة جداً. هي التي تعاني سرطاناً أنهك جسدها، لم تجد من يستقبلها ويؤمن لها سريراً في العناية الفائقة. لم أسمع سوى "لا يوجد سرير" أو "استقباله على الضمان"، وكأننا سألنا عن المال!
تسترجع والدتها ما جرى بالأمس قائلة لـ"النهار": "عانت ميلا حرارة مرتفعة نتيجة العلاج الذي خضعت له، كانت مناعتها ضعيفة جراء العلاج الكيميائي، وتوجهنا بها ليلاً إلى مستشفى مار يوسف. وبعد اجراء الفحوص، تبيّن أنها تعاني التهاباً قوياً، وعلى الرغم من تأمين البلاكيت والدم، إلا أن حالتها تدهورت واستدعت نقلها إلى مستشفى آخر فيه عناية فائقة للأطفال".
بدأت الإتصالات بالمستشفيات ورحلة البحث عن سرير في العناية الفائقة. لم يترك والدا ميلا وعائلتهما مستشفى إلا واتصلوا به، ليصطدموا بجواب واحد "لا سرير لدينا". وفق ماريا "لم نترك مستشفى في لبنان إلا وحاولنا معه، مستنجدين بسرير واحد، إلا أن أحداً لم يساعدنا. لم يتشفع فينا أحد ويرضى استقبالنا. تذرع الجميع بعدم وجود سرير، هل يُعقل ان أسرة العناية الفائقة للأطفال شاغرة في كل لبنان؟".
لا تُخفي ماريا أنه "في البداية تذرع البعض بالضمان وعدم تغطيته للتكاليف، لكننا لم نسأل عن المال ويمكن تأمينه، كل ما نريده إدخالها واستقبالها في المستشفى. لم نعرف السبب الحقيقي لرفضهم، وقد حاول الأطباء والمحيطون بنا فعل المستحيل والاتصال بكل المستشفيات إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل."
برأي والدتها "ما حدا عندو ضمير، لم يحاول أحد مساعدتنا أو أقله يعرض علينا المجيء بها لمعاينتها وتقديم المساعدة. كنت أتمنى لو أن أحداً فقط وافق على مجيئها ونقلها ومحاولة تقديم خدماته الطبية، لكن لم يتكلف أحد بحل المشكلة أو تأمين سرير".
وبعد وساطات واتصالات مكثّفة، نجحنا في تأمين سرير في مستشفى الكرنتينا شرط نقلها عند الرابعة فجراً، إلا ان حالة ميلا عند الساعة الواحدة فجراً كانت خطيرة و"على آخر نفس". ويستحيل الانتظار، ولم تصمد ميلا حتى الرابعة ورحلت قبل أن نجد لها سريراً.
لدى ماريا الكثير لتقوله، إلا ان "الغالي راح وشو بينفع الحكي ". تتوجه الى كل المسؤولين بالقول: "حتى لو عالجتم أنفسكم ستذهبون إلى جهنم، مهما فعلتم نهايتكم معروفة. لا يحق لهم الإستهتار بحياة العالم، كان يكفينا المحاولة، ربما لم تكن تشفع كل المحاولات الطبية لكن ما يخفف الألم هو المحاولة والسعي وليس صد الأبواب في وجهنا. كل ما طلبناه "نجرب كل يلي فينا نعملوا، بس حرقة قلبنا إنو ما حدا جرب يعمل شي، وفي مستشفى سكر الخط بوجه الممرضة".
كانت ميلا تعاني سرطان الدم، وبسبب انفجار 4 آب وما أحدثه من دمار في مستشفى الروم، اضطر والداها إلى متابعة علاجها في مستشفى مار يوسف. وفق والدتها " خضعت لعلاجها الكيميائي هناك، وكان المستشفى على قدر المسؤولية ولم يتخلوا عنا للحظة. أقدر كثيراً وقوفهم إلى جانب محنتنا".