توقيف أطباء بملف النافعة: استعراض أم توسع في التحقيقات؟

كتب وليد حسين في المدن:

رغم أن التوقيفات التي طالت تسعة أطباء في قضية النافعة، بالقسم المتعلق بتزوير رخص السير، تشي بأن التحقيقات تسلك منحىً إيجابياً لناحية التوسع في التحقيق ليطال مكامن فساد عدة، إلا أن التخوف من أن تكون هذه الطريقة مجرد "استعراض"، إما لغايات شخصية أو لدوافع تتعلق بايهام بعض المسؤولين في لبنان البنك الدولي بنوايا جدية بمحاربة الفساد الإداري، وفق ما تؤكد مصادر مطلعة على التوقيفات الأخيرة.

بيع إفادات لمكاتب السوق
وكانت اعترافات الموقوفين في ملف النافعة أدت إلى توسع التحقيق وطال توقيف تسعة أطباء، كما سبق وكشفت "المدن". وفي التفاصيل اعترف بعض السماسرة بشراء إفادات طبية من دون حضور الأشخاص المعنيين كي يعاينهم الأطباء، وتبين أن بعض مكاتب السمسرة كانت تشتري الإفادات ممهورة بختم الطبيب المختص، وتقوم هي بتعبئة البيانات، غبّ الطلب.

مصادر طبية مطلعة أكدت أن نقابة الأطباء عممت على الأطباء منذ أشهر معاينة الأشخاص قبل منحهم الإفادة. وبحسب تنظيم شؤون المهنة، كل طبيب يريد الاستحصال على هذه الإفادات الطبية عليه تسجيل اسمه في النقابة للحصول عليها، لأنها لا تمنح لجميع الأطباء أسوة بالوصفة الموحدة. وقد عممت النقابة عليهم ضرورة معاينة الأشخاص خصوصاً بعد افتضاح أمر بيع الإفادات لمكاتب السوق موقعة وممهورة. فقد سبق وضبطت القوى الأمنية إفادات ممهورة وموقعة من الأطباء جاهزة لتعبئتها للأشخاص الذين يودون الحصول على رخصة سوق منذ مدة في منطقة النبطية. وتمت لفلفة الملف.

توقيف غير موفّق
ورغم أن التحقيقات الحالية في الملف كشفت عن وجود أطباء متورطين في بيع الإفادات، تشير مصادر "المدن" إلى أن أحد الأطباء أوقف لأنه منح إفادة من دون معاينة طالب رخصة السوق. وهذا عادة يحصل في لبنان "بالمونة". فهو من الأطباء الذين يعاينون المرضى بالمجان، وبالتالي يستحيل أن يسيء لسمعته في "بيع الإفادات".

وتضيف المصادر أن الأطباء مثل غيرهم من اللبنانيين، غير معصومين عن الخطأ. وقد خالف بعضهم قانون تنظيم المهنة لناحية عدم معاينة طالب رخصة السوق. بينما هناك من باع الإفادات إلى مكاتب السوق. وبالتالي التوقيف رهن التحقيق وعدم إخلاء السبيل بسند إقامة غير جائز في هذه الحالة. صحيح أن المحامي العام القاضية نازك الخطيب استخدمت سلطتها ولم تخالف القانون، إلا أن توقيف جميع الأطباء لم يكن موفقاً.

استعراض أمام البنك الدولي؟
وتلفت المصادر إلى أن التوقيفات في ملفي النافعة والعقارية طالت "رؤوساً" كبيرة. وهناك تدخلات سياسية لإخلاء سبيلهم. وبالتالي هناك تخوف من أن يكون توسيع التحقيقات ليطال موظفين من الفئة الرابعة ينهد إلى انتهاء القضية بمعاقبة هؤلاء وتبرئة من يجب أن يدخل إلى السجن. فملف السماسرة في العدلية ما زال ماثلاً، لأن القضية انتهت حينها بمعاقبة موظفين من الفئة الرابعة وطوي الملف، فيما كان يجب معاقبة موظفين كبار.

التخوف، وفق المصادر، من أن تنتهي قضية الفساد المزمنة في النافعة والعقارية، والتي وصلت إلى حدود لا تحتمل، باستعراضات وانتصارات يذهب ضحيتها المذنبون غير الأساسيين. ويستعرض بعض المسؤولين في الدولة أمام البنك الدولي بأنهم يعملون على تنقية الإدارة ومكافحة الفساد. هذا فيما الفساد الحقيقي في الإدارة العامة لا يقتصر على "الإكراميات" والرشاوى، بل مكمن الفساد في المناقصات والتلزيمات وهدر المال العام.

تجدر الإشارة إلى أن التحقيقات الأخيرة جرت بحضور مندوب نقابة الأطباء في النيابة العامة. ولم يصدر أي بيان عن النقابة لرفض توقيف الأطباء، الذين سيبقون في السجن إلى يوم الثلاثاء المقبل، لحين مثولهم أمام قاضي التحقيق. وقد تواصلت "المدن" مع نقيب الأطباء يوسف بخاش، الذي اكتفى بالقول إن النقابة ستصدر بياناً حول هذه التوقيفات.

بيان نقابة الأطباء
ولاحقاً قالت النقابة في بيان: "بعد ملاحقة بعض الأطبّاء المنتسبين إلى النّقابة من قبل المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي نازك الخطيب، يهمّنا الإشارة إلى أنّنا تبلّغنا من النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان تعيين جلسة للاستماع إلى الأطبّاء الملاحقين أمام المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان بتاريخ 27/12/2022، وقد أُجلّت الجلسة الى تاريخ 29/12/2022، حيث حضر محامي النّقابة وبيّن موقفها ممّا يجري، وهو موقف يستند إلى قانون الآداب الطبيّة".

وأضافت: "بعد الاستماع إلى الأطبّاء المعنيّين، اتُّخذ القرار بتوقيفهم على ذمّة التّحقيق، وإحالتهم إلى المرجع القضائي المختص".
وأكدت "حرصها كلّ الحرص على كرامة الأطبّاء وحقوقهم، كما الحرص على حقوق المرضى والمواطنين وعلى الأمن الصحّي للمجتمع بأكمله".

وشدّدت النّقابة على أنّ "لها ملء الثّقة بالقضاء، وهي، في هذه القضيّة خصوصًا، تؤكّد أنّها وسائر المنتسبين إليها، تحت سقف القانون. ولكنّها في موازاة ذلك، ستقف إلى جانب الطّبيب ما دام أنّ تورّطه في أيّ مخالفة لم يثبت، وستدافع عنه بكلّ الوسائل القانونيّة المتاحة".

وأوضحت "أنّها تجري، في إطار القانون، الاتّصالات اللّازمة إسهامًا منها في جلاء الحقيقة، وتسريعًا في الإجراءات القانونيّة حتّى لا يطول توقيف المعنيّين نظرًا لطبيعة مهماتهم".

وذكرت أنّ "الّنقيب ومجلس النّقابة يواكبون هذه القضيّة الحسّاسة، ويتّخذون المواقف والإجراءات المناسبة بشأنها، حفاظًا على كرامة النّقابة وكرامة الطّبيب في آن".