المصدر: النهار
الاثنين 30 حزيران 2025 16:35:33
أثار توقيف العقيد المتقاعد في الجيش اللبناني عميد حمود في مدينة طرابلس، موجة ردود فعل شعبية وسياسية، بين من رأى في الخطوة تنفيذًا لمقتضيات القانون، ومن عدّها استهدافًا لشخصية لطالما عُرفت بخطابها الاجتماعي الإسلامي ومبادراتها الميدانية في خدمة الأهالي.
بحسب المعطيات القضائية، فقد أصدر المدعي العام الاستئنافي في الشمال القاضي زياد شعراني إشارة بتوقيف حمود لإدارته مركزاً طبيّاً غير مرخّص له في طرابلس. وقد نفّذ القرار جهاز أمن الدولة الذي كان أغلق المركز بالشمع الأحمر في وقت سابق.
وأُحيل حمود على قاضية التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصّار التي أصدرت مذكرة توقيف بحقه، في ضوء توافر معطيات قانونية تشير إلى مخالفات إدارية وصحية تتعلق بعمل المركز، ومنها إجراء عمليات جراحية غير مرخص لها والاستعانة بأطباء سوريين ممنوعين من العمل في لبنان، بالإضافة إلى ضبط أدوية سورية مهربة وغير مرخص لها في السوق اللبنانية.
في المقابل، تؤكد مصادر مقربة من حمود أنه كان قد تقدّم قبل أكثر من عام بطلب ترخيص رسمي للمركز، بقي من دون جواب حتى تاريخه.
فور الإعلان عن توقيفه، شهدت طرابلس تحركات احتجاجية محدودة لكنها لافتة، إذ عبّر عدد من الناشطين والمواطنين عن رفضهم لما اعتبروه "استهدافًا لرمز وطني واجتماعي"، خصوصا أن المركز الطبي المذكور كان يقدّم خدماته بأسعار رمزية أو مجانية، ويخدم فئة واسعة من أبناء المدينة وخصوصًا ذوي الدخل المحدود.
وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي دعوات إلى إطلاق حمود، وتسجيلات مصوّرة تُظهر متضامنين يطالبون القضاء بـ"التمييز بين العمل الإنساني ومخالفات إدارية يمكن معالجتها من دون اللجوء إلى التوقيف".
توازيا، تشدّد مصادر قضائية على أن ما جرى "لا يعدو كونه تطبيقًا صارمًا للقانون"، معتبرة أن إدارة أي منشأة صحية تتطلب التزامًا للمعايير الإدارية والطبية، منعًا لأي ضرر قد يصيب المواطنين. والنية الحسنة لا تعفي من المساءلة القانونية".
هذا الطرح واجه اعتراضات من جهات حقوقية وشخصيات طرابلسية بارزة، رأت أن توقيت التوقيف وطريقته "يتجاوزان مجرد تطبيق القانون، وعلى القضاء أن يأخذ في الاعتبار البعد الإنساني والاجتماعي للملف، خصوصًا في منطقة تُعدّ من الأكثر فقرًا وتهميشًا على مستوى الوطن".
سياسيون من المدينة وخارجها عبّروا عن مواقف متباينة. فقد دعا البعض إلى الإفراج الفوري عن حمود وتقديم ملفه إلى لجان متخصصة لتسوية الأوضاع القانونية للمركز، فيما طالب آخرون بعدم تسييس القضية وتركها في يد القضاء، "شرط أن يُعامل جميع المواطنين والمسؤولين سواسية أمام القانون".
إلا أن اللافت في الأمر أن نوابا طرابلسيين رأوا في توقيف حمود استهدافاً لطائفته وخصوصاً أنه معروف بتوجهه الاسلامي (السني) وأن التوقيف يأتي من خلفية سياسية محض، وقد ترافق مع حملة تشتد في طرابلس إثر توقيف شبان قيل إنهم ينتمون إلى "داعش" أو منظمات أصولية، وهو ما بدأ يخلّف توترا في طرابلس ويثير تخوفاً من عودة الوسم "الإرهابي" على شباب المدينة، وهذه المرة بدفع رسمي.
النائب أشرف ريفي يعتبر أن توقيف حمود "ليس مكافحة فساد إنما نكتة سخيفة، إذ لم تُراعَ العدالة والمساواة في المحاسبة، بل إن ّ"جحا ما بيقدر إلا على خالته وأهل بيته". واستطرد أنّ "السنَّة في لبنان هم أهل دولة، والمحاسبة تصبح مجرد سيرك سخيف ما لم تكن شاملة"، داعيا إلى مراجعة النظام في "الشراكة الوطنية مع الفاسدين الحقيقيين ومع أهل الجريمة والعمالة".
النائب إيهاب مطر من جهته لم يسمع "غير أقاويل عن سبب إحالة حمود على المحكمة العسكرية، ما يعزز انطباعاً في الشارع الطرابلسي أن ثمة تصفية حسابات قديمة معه، وهو صاحب مواقف مبدئية معروفة".
يذكر أن حمود قدّم استقالته من الجيش اللبناني وكان برتبة عقيد، اعتراضاً على أداء المؤسسة بعد أحداث 7 أيار/مايو 2008. واتجه إلى العمل السياسي بصفته شخصية مقربة من "تيار المستقبل"، وطُرح اسمه "رقمًا صعبًا" في المعادلة الأمنية في طرابلس، خصوصا خلال التصعيد الأمني منتصف العقد الماضي، وأصبح يمتلك نفوذا كبيراً في المدينة، وخصوصاً بين الشباب الملتزم، ووُجّهت له اتهامات بأنه زوّد مجموعات محلية السلاح عشية أحداث أمنية شهدتها المدينة، ولا سيما في باب التبانة وجبل محسن، وكان يقدّم دعمًا سريا للمعارضة السورية.
في المحصلة، يبقى توقيف حمود حدثًا يتجاوز الإجراء القضائي ليطرح أسئلة أعمق عن العلاقة بين القانون والطائفية والسياسية والعدالة الاجتماعية، ومدى قدرة مؤسسات الدولة على موازنة الحزم القانوني مع الواقع المعيشي والطائفي والسياسي في مناطق تعاني الحرمان والبُنى التحتية الهشّة، ومنها مدينة طرابلس التي لطالما كانت ميدانًا للانقسام بين السلطة والمجتمع.