المصدر: المدن
الخميس 24 شباط 2022 16:34:04
كشف تقرير صادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) تورط مؤسسات الأمم المتحدة بالتعامل مع النظام السوري ورجال أعمال مدرجين على قوائم العقوبات الأميركية والأوربية، من خلال تقديم عقود مشتريات لمسؤولين نافذين وعلى رأسهم ماهر الأسد.
ورغم أن التقرير لم يكن الأول الذي يتحدث عن حالات فساد لدى مكاتب المنظمات الأممية في سوريا وتعاونها مع نظام الأسد، إلا أنه استطاع تسليط الضوء على واحد من أكبر الأسواق التجارية التي أنشأها النظام خلال سنوات الحرب العشرة الماضية، متمثلة بتجارة الخردة والمعادن التي تستحوذ عليها الفرقة الرابعة في جيش النظام.
تجارة المعادن
وكشف التحقيق استئثار ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، والذي يقود الفرقة الرابعة ومعه شريكه رجل الأعمال محمد حمشو، بعقود مشتريات أممية لنزع المعادن من المناطق التي استعاد النظام السيطرة عليها وإعادة تدويرها قبل طرحها للبيع في شركة "حديد" التي يملكها حمشو نفسه.
ويشير التحقيق إلى أن حمشو المدرج على قوائم العقوبات الغربية منذ عام 2011 بسبب فساده ومساهمته في قمع الاحتجاجات، كسب ثروة كبيرة من عقود استخراج الحديد من المناطق المدمرة بحلب وريف دمشق وغيرها، عن طريق شركته "الحديد لتصنيع المعادن".
وعن آلية تقديم هذه العقود، يقول الخبير الاقتصادي في مجال المنظمات الدولية أحمد عزوز: "دائماً يكون في مناطق الحروب مشاريع إعادة تأهيل وتنظيف للمدن المدمرة، حيث تتعاقد المنظمات الأممية مع شركات أو مؤسسات للقيام بهذه المشاريع من دون تدخلهم بالمواد المستخرجة أو أي نشاط آخر".
ويضيف "هذا ما استفاد منه النظام..من خلال حصر مشاريع إعادة التأهيل بشخصيات نافذة مثل حمشو وماهر الأسد وتحويلها إلى سوق تجارية ضخمة تدر ملايين الدولارات على خزينة النظام، من استخراج المعادن والحديد وإعادة تدويره في منشآت خاصة قبل بيعه في السوق أو تصديره".
وخلال سنوات الحرب، برز دور ما يعرف ب"الشعبة الأمنية" التابعة للفرقة الرابعة عبر احتكارها تجارة الخردة والمعادن وتفكيك المصانع والمنازل بالتعاون مع "متعهدين" تقدم لهم مناقصات لتلزيم المعادن المستعملة في المناطق التي يستعيدها النظام، ما يفسر تهافت جميع القوى العسكرية على الاستئثار بالمناطق التي تسيطر عليها حديثاً ومنع عودة السكان إليها.
التقرير يوضح كذلك سبب انتشار ظاهرة تفكيك المعامل والمنشآت من قبل مجموعات "الشبيحة" وكذلك بعض فصائل المعارضة العسكرية، وخاصة في ريفي حلب وحماة، حيث خسرت المنطقة منشآت ضخمة كان يمكن إعادة تأهيلها لكنها بيعت كخردة من قبل القوى العسكرية التي سيطرت عليها.
العدد الأكبر من المعامل خسرتها حلب وخاصة تلك التي كانت مقامة في ريفي المحافظة الشمالي والغربي، التي تحولت فيها معامل عندان والمنصورة والمدينة الصناعية في الشيخ نجار إلى غنيمة تتنافس عليها بشراسة المليشيات التابعة للنظام بعد أن استعاد السيطرة عليها نهاية العام 2016، بالإضافة إلى حديد المنازل والأبنية التي تدمرت بسبب الحرب.
حرب الخردة
ولا تقتصر حرب الخردة على مليشيات النظام فحسب، إذ شهدت مناطق سيطرة المعارضة اشتباكات بسبب التنافس عليها أيضاً بين بعض الفصائل، كما هو الحال مع هيئة تحرير الشام وتنظيم حراس الدين، إذ تعتبر تجارة الحديد السبب المباشر لحملة الهيئة على التنظيم عام 2019. إضافة إلى معارك السيطرة على محطة زيزون الحرارية بريف حماة الغربي 2015 بين فصائل "جيش الفتح" سابقاً، والتي يتهم الحزب الإسلامي التركستاني بتفكيك محتوياتها المركزية وبيعها للنظام.
ومنذ عامين، بدأت هيئة تحرير الشام بتفكيك السكك الحديدية في ريفي حلب وادلب وجسور ريف ادلب الغربي الحديدية ونقلها بشاحنات إلى مناطق سيطرة النظام في اللاذقية وحماة، إضافة إلى المحولات والأعمدة الكهربائية وغيرها الكثير من مصادر المعدن.
ويوضح الناشط محمد ابراهيم في حديث ل"المدن" أن عملية بيع الحديد والمعادن في ادلب أخذت شكل التجارة المنظمة بالنسبة إلى هيئة تحرير الشام على وجه الخصوص، بعد هيمنتها على هذا السوق وإصدار التعليمات بالمواد التي يحظر بيعها إلا عن طريق شركة تابعة لها، من خلال وضع جميع المكبات تحت رقابتها.
ويقول: "تنظيم هذا السوق يعد طبيعياً بالنظر إلى حجم العائدات المالية التي تقدر بملايين الدولارات حيث يمثل معبر مورك بريف حماة طريق التصريف الرئيسي إلى مناطق سيطرة النظام، بحيث ترفق الشاحنات المحملة بالحديد والنحاس من قبل الهيئة وصولاً إلى طرف النظام، ومنها تتسلم حواجز الفرقة الرابعة الترفيق إلى مدينة حماة".
ويضيف: هناك أنواع من الحديد ومنها الصلب والمجنزر من مخلفات المدرعات إضافة إلى النحاس، يمنع تداولها خارج مكاتب "المتابعة الاقتصادية" التابعة للهيئة والمنتشرة في مدن إدلب وريف حلب الغربي، وهدف هذه المكاتب مراقبة وتنظيم عمل مجمعات الخردة وقد يتعرض المخالفون إلى غرامات ضخمة مع مصادرة ما لديهم.
ويعتبر محللون أن التقرير الأخير يمثل رأس خيط ثخين لكشف طبيعة التعامل بين هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى مع شركة حمشو (شريك ماهر الأسد) في تجارة الخردة وتفكيك السكك ومحطات التوليد من مناطق سيطرة المعارضة، بينما كان الأخير يحصل على تمويل من قبل برنامج أممي خاص للقيام بهذه المهمة تحت عنوان "إزالة مخلفات الحرب ورفع الأنقاض".
المساعدات الدولية شريان الأسد
وإلى جانب ما كشف عنه التحقيق من تسهيل المنظمات الأممية تجارة الحديد والمعادن والخردة مع كيانات مدرجة على لوائح العقوبات الغربية، وثق القائمون عليه سرقة النظام السوري قوافل مساعدات الإغاثة خلال السنوات السابقة وتقديمها لقواته عبر "تحويل طعام الأمم المتحدة إلى الجيش ودعم الأشخاص المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان".
ولفت التقرير إلى أن الاحتياجات الإنسانية في سوريا آخذة في الارتفاع رغم تقديم الدول الغربية نحو 2,3 مليار دولار، ما يؤكد تلاعب النظام السوري بالمساعدات لأكثر من عشر سنوات ومنع وصولها إلى المحتاجين في مناطق سيطرة المعارضة.
عزوز وهو خبير اقتصادي في مجال المنظمات الدولية يؤكد على ضرورة تحرك مؤسسات المعارضة السياسية والحقوقية لتوثيق قضايا الفساد المتعلقة بالأموال والمساعدات والعقود الأممية خاصة وأن غالبية هذه الأموال تذهب لدعم نظام الأسد المعاقب.
ويضيف: "تحول عمل المنظمات التابعة للأمم المتحدة في سوريا إلى شريان لدعم النظام وأيضاً الجماعات الأخرى الموجودة على الأرض التي بدأت تفتح خطوط تجارية مع النظام، في حين تعلق سبب استمرارها كقوة أمر واقع على شماعة حماية المدنيين من النظام".
ويصف التحقيق عمل المنظمات الأممية في سوريا بأنه "حلقة فاسدة يتم إنشاؤها"، في حين قدم تقرير نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" قبل أشهر دلائل تثبت تورط الامم المتحدة في دعم جهات تنفذ جرائم حرب وانتهاكات ضد الإنسانية وغيرها العديد من التقارير، ما يجعل السوريين يطرحون تساؤلات محقة حول أسباب تغاضي الدول المانحة عن هذا الفساد وهيمنة النظام على مختلف مفاصل المؤسسات الأممية في سوريا.