المصدر: العربية
الأحد 31 آب 2025 16:46:19
أعلنت مصادر استخباراتية قصة استهداف نادر لأعلى المستويات القيادية في إيران، حين تعقبت إسرائيل اجتماعاً سرياً للغاية للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في قلب طهران خلال الأيام الأولى من الحرب الأخيرة. ورغم السرية المشددة التي أحاطت باللقاء، نجحت المقاتلات الإسرائيلية في قصف المخبأ الذي احتضنه الاجتماع، في عملية وُصفت بأنها من أخطر الاختراقات الأمنية التي واجهتها الجمهورية الإسلامية منذ عقود، وفقا لما أوردته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
تفاصيل الاجتماع السري
الواقعة جرت في 16 يونيو/حزيران، في اليوم الرابع من اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل. كان المكان مخبأً محصناً على عمق مئة قدم تحت منحدر جبلي غربي العاصمة. دخل المسؤولون تباعاً، في سيارات منفصلة، دون هواتف محمولة، ضمن إجراءات أمنية مشددة خشية التعقب. ومن بين الحاضرين الرئيس مسعود بزشكيان، ورئيسا السلطة القضائية ووزارة الاستخبارات، إلى جانب قيادات عسكرية بارزة. لكن، رغم الحذر البالغ، أغارت الطائرات الإسرائيلية بعد دقائق قليلة من بدء الاجتماع، وألقت ست قنابل ضخمة على مداخل المخبأ. لم يُصب أي من القادة في الداخل، غير أن الانفجارات قتلت عدداً من الحراس المتمركزين في الخارج، وخلّفت حالة من الفوضى والذهول بين كبار الحاضرين.
ثغرة قاتلة في الهواتف المحمولة
التحقيقات الإيرانية أظهرت سريعاً أن إسرائيل لم تعتمد على الصدفة، فقد استطاعت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تحديد موقع الاجتماع عبر اختراق هواتف الحراس والسائقين المرافقين للمسؤولين، والذين لم يلتزموا بالقواعد الأمنية بنفس صرامة رؤسائهم. هذه الأجهزة، عبر بيانات الاتصالات والموقع، كشفت مسارهم بدقة لتصبح الخريطة واضحة أمام تل أبيب. وقال ساسان كريمي، النائب السابق للرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، إن “المسؤولين التزموا بعدم استخدام الهواتف، لكن الحراس والسائقين لم يأخذوا الأمر بجدية، فكانت النتيجة كارثية”.
ووفق تقرير “نيويورك تايمز” الأميركية، فإن هذه التفاصيل جُمعت من خلال مقابلات مع خمسة مسؤولين إيرانيين كبار، وعضوين من الحرس الثوري، وتسعة مسؤولين عسكريين واستخباراتيين إسرائيليين. وتكشف القصة كيف ساعد الاستخدام غير المنضبط للهواتف المحمولة ـ بما في ذلك النشر على وسائل التواصل الاجتماعي ـ في تمكين إسرائيل من تعقّب العلماء النوويين والقادة العسكريين، وتصفية بعضهم خلال الأيام الأولى من الصراع. المسؤولون الإيرانيون يعترفون اليوم بأن الاختراق عبر الحراس لم يكن سوى وجه واحد لحرب تجسس أوسع.
تمكّنت إسرائيل، بحسب التقديرات، على مدى سنوات من تجنيد عملاء واستخدام تقنيات متقدمة لاختراق دوائر الأمن الأكثر حساسية في إيران. وفي يونيو/حزيران، تجلّى هذا الجهد في نجاحها بتصفية شخصيات مؤثرة في الجيش والبرنامج النووي، في عملية وُصفت بأنها “مدمرة” لأجهزة الأمن الإيرانية. وأكد مسؤولون إيرانيون أن التسلل بلغ أعلى مستويات صناعة القرار. وفي مقابلة أواخر يونيو، قال نائب الرئيس والوزير السابق مصطفى هاشمي طابا، إن “التسلل وصل إلى قمة هرم الدولة”.
نفذت السلطات حملة اعتقالات سرية داخل مؤسسات الجيش والمخابرات والحكومة، شملت عشرات الضباط والمسؤولين، بعضهم برتب رفيعة، للاشتباه في تعاونهم مع إسرائيل. كما أُعدم العالم النووي روزبه فادي هذا الشهر بعد إدانته بالتجسس وتسهيل اغتيال عالم آخر. ومع ذلك، لم تؤكد إسرائيل أو تنفِ أي صلة لها بالمتهمين، تاركة طهران في مواجهة أسئلة معلّقة حول مدى اتساع شبكة الاختراق.
القصف الذي استهدف المخبأ في طهران لم يحقق هدفه المباشر بقتل القادة المجتمعين، لكنه وجّه ضربة قوية لهيبة أجهزة الأمن الإيرانية. فنجاة المسؤولين الكبار لا تُخفي حقيقة أن تل أبيب اخترقت الدائرة المحيطة بهم ووصلت إلى عتبة غرفهم السرية. ويرى محللون أن نجاح إسرائيل في قتل هذا العدد الكبير من العلماء والقادة خلال فترة قصيرة يعكس تفوقها في حرب الظل التي استمرت عقودًا مع إيران. وما جرى في يونيو (حزيران) الماضي يظهر أن المواجهة لم تعد تقتصر على اغتيالات فردية أو ضربات متفرقة، بل باتت معارك مفتوحة ذات آثار استراتيجية، تعيد تشكيل موازين القوة في المنطقة.