المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الخميس 31 تموز 2025 07:28:07
مذ أفضت التحولات السياسية والوقائع العسكرية المحلية والإقليمية إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة، تشهد السوق العقارية اللبنانية اهتماما حذرا، ولكن متزايدا من اللبنانيين المغتربين والمستثمرين العرب. فالعقار اللبناني "سمعته" حسنة لدى اللبنانيين، ولا يزال برغم الانهيارات الاقتصادية والمالية المتكررة موضع ثقتهم، وملاذا آمنا لإيداع مدخراتهم فيه. وتتقاطع أهليته للاستثمار، مع الرغبة التاريخية للمغترب اللبناني في تملك بيت في الوطن، و"طقوس" الحنين التي تنتاب غالبية من شقوا عباب البحار، بالعودة إلى مسقط الرأس، وحضن العائلة والأصحاب.
بيد أن سقوط الليرة منذ 2019، والانهيار المالي والاقتصادي تزامنا مع جائحة كورونا التي فرملت مشاريع التطوير والبناء وشلّت الاستثمار، قاد نمو القطاع العقاري إلى التصفير وجمود لا تزال مفاعيله قائمة برغم قلة الاستثناءات، يتحكم في حركة السوق، ويمنع عودته إلى معدلاته السابقة.
تحاصر نمو السوق العقارية اللبنانية ثلاثة عوامل سلبية، تحجب عنه فرصة النهوض الجدي والتقدم. أولها سقوط الطبقة المتوسطة وضمور الرواتب والأجور، وعدم قدرة الموظفين على الاقتراض، وهم الفئة الأكبر التي شكلت على مدى العقود الماضية، رافعة لحركة البيع والشراء. ثانيها خروج المصارف من سوق الإقراض كليا، وتوقف برامج الإسكان لديها بسبب فقدان السيولة، والخسائر التي تكبدتها من جراء إلزامها قبول تسديد المقترضين قروضهم على 1507. أما ثالثها فيتعلق بتوقف التسليف في المؤسسة العامة للإسكان، وعدم توافر ما يكفي لتغطية حاجة السوق، برغم سعيها المثمر الذي أدى الى الاستحصال على قروض عربية، وبدء استقبال الطلبات، وإعطاء الموافقات، التي يقيدها ارتفاع الفوائد وأقساط التأمين، والدفعات الشهرية.
رئيس نقابة الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان وليد موسى يوضح لـ"النهار" أنه "مع انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة، بدأت السوق العقارية اللبنانية تشهد اهتماما متزايدا من اللبنانيين المغتربين والمستثمرين العرب. هذه الحماسة ترجمت بتواصل مكثف واستفسارات مستمرة حول الأسعار، والطلب، وحال السوق عموما. بيد أن هذا الاهتمام لم يتحول إلى حركة بيع وشراء واسعة بسبب استمرار عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي في البلاد".
ويؤكد أن "السوق العقارية شهدت بعض الزخم خلال عطلة عيد الأضحى، ولا سيما بعد رفع الحظر عن سفر الإماراتيين إلى لبنان، بما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في الطلب من مستثمرين إماراتيين وكويتيين وقطريين. إلا أن هذه الحماسة اصطدمت بالحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران، ما أدى إلى حال من الترقب والجمود في السوق، خصوصا مع استمرار المخاوف الأمنية".
إلى ذلك يشير موسى إلى المعضلة المصرفية، ففي رأيه أنه "لا يمكن أي قطاع عقاري أن يزدهر من دون وجود قطاع مصرفي قوي. فالتمويل غائب، والمشترون الفعليون حاليا هم إما من المغتربين وإما من الأفراد الذين يملكون السيولة الوفيرة".
وعلى الرغم من محدودية العمليات العقارية، لا تزال السوق تثبت أنها "الملاذ الآمن"، حيث يبقى التملك العقاري هدفا للبنانيين والخليجيين على حد سواء. لذا يؤكد موسى أن "بعض المناطق شهدت ارتفاعا ملحوظا في الأسعار، مثل الروشة، الرملة البيضاء، الأشرفية، وسط بيروت، فقرا، فاريا، والبترون، حيث تقلصت الهوامش الربحية بنحو 10 إلى 15% مقارنة بالأعوام الماضية. أما في المناطق ذات القدرة الشرائية المحدودة، التي تعتمد على مداخيل الموظفين، فقد تراجعت الأسعار بنسب راوحت بين 25% و30%، ووصل الانخفاض أحيانا إلى نسبة 50% مقارنة بما قبل 2019".
ويؤكد موسى أن "القطاع العقاري في لبنان، رغم كل التحديات، لا يموت. بيد أنه يبقى رهينة الاستقرار السياسي والاقتصادي، وهو في حاجة ماسة إلى إصلاحات مصرفية حقيقية لاستعادة ثقة المستثمرين والمواطنين على حد سواء".