المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الخميس 12 كانون الاول 2019 14:59:05
لكن في حضرة الكبار من طينة الصحافي والنائب الشهيد جبران تويني، لا مكان للغياب ولا لسنواته المضنية الثقيلة، وقد بلغ عدادها اليوم العام الـ 14... أمام الأبطال والفرسان والهامات التي بحجم تويني، لا يحسب الزمن إلا بسني ما بعد الرحيل وبإرث يترك لأجيال وأجيال من الشباب والثوار والمؤمنين.
لم يرد المجرمون لهذا الشاب، ذي الابتسامة الساحرة والأناقة الجذابة، والكاريزما الأخاذة، أن يشهد على الاستقلال الثالث يتحقق بأصوات وأجساد المنتفضين من ثوار 17 تشرين الأول 2019. ذلك أن أصحاب الأيادي السود ممن لا يروقهم أن يروا الشعب اللبناني موحدا تحت راية العلم اللبناني كما أرادهم تويني دائما، اعتقدوا أن التصفية الجسدية والأساليب الموغلة في الوحشية، إلى حد حرمان والد مفجوع اعتاد "ترويض الموت"، من طينة عميد الصحافيين غسان تويني، إلقاء النظرة الأخيرة على فلذة كبده وقد افترسه الاجرام، كافية لإسكات صوت حر ما اعترف يوما بأي قيود بالية، كذاك الذي رفعه جبران تويني...
لكن هؤلاء المجرمين الأشرار لا يفقهون ما في الحرية من حياة ولا ما في الاستقلال من بطولة ولا ما في الحرية من شجاعة... لذلك، فاتهم الأهم... فاتهم أننا في وطن يحترف أبناؤه فن القيامة والحق والحياة والثورة. لم يخطر في بال المتربصين شرا بهذا الوطن الذي لا يجد أحد ضيرا في المضي في نحره وتدفيعه ثمن "حروب الآخرين" أن جبران تويني الثائر منذ الصغر على مجتمع سياسي اعتاد الخنوع للوصايات.. قد يعود إلى الحياة يوما.
نعم...بعد 14 عاما على انفجار سيارة مفخخة على طريق المكلس المتنية أردى جبران تويني ومرافقيه نقولا فلوطي وأندريه مراد، عاد الفارس النبيل المقدام إلى الساحات، إلى حيث ترك نهاره ومنبره والشباب اللبنانيين الذين كانوا قبلة اهتماماته لا لشيء إلا لأنه المستقبل في هذا الوطن الذي روته أجيال من اللبنانيين بدمائهم الزكية... أثبت الشباب الأبطال من الثوار على واقع مر، أن في لبنان، ليست الشهادة إلا ممرا إلى الخلود... كيف لا وهم الذين فهموا رسالة جبران تويني ووصيته لهم وطبقوها بحذافيرها... بدليل أن قسمه الشهير تحول "نشيدا" يردده الثوار في كل الساحات، وقد باتوا اليوم فعلا لبنانيين، "مسلمين ومسيحيين، موحدين إلى أبد الآبدين.. دفاعا عن لبنان العظيم".
لا أحد يشك في أن التاريخ عندما يكتبه اللبنانيون، مسلمون ومسيحيون، موحدون إلى أبد الآبدين" سيخلّد صورة جبران تويني وهو يتلو هذا القسم على مسامع مليون مواطن لبناني اتحدوا يوما على رفض الوصاية السورية، في ساحة الشهداء، التي صارت ساحة للحرية، وقد صارت "حمراء" بلون الحرية... وخضراء بلون الأرزة والحياة... وبيضاء بلون نقاء ثلج لبنان وقلوب شهدائه كتويني وسواه من سابقيه ولاحقيه على درب الخلود. لكن أحدا لا يشك أيضا في أن هذا التاريخ نفسه سيكرس جبران تويني قائدا أول لثورة لطالما ناضل في سبيلها، وكرس لأجلها كل نبضة من نبضات قلبه وكل نقطة دم سرت في عروقه، وكل نقطة حبر كتبت بها صحيفة "النهار" التي عشقها جبران حتى الاستشهاد، شأنها في ذلك شأن لبنان...
فراغ ثقيل تركه بطل الثورة في نفوس المنتفضين... جميعهم يسأل: كيف كان جبران ليتصرف لو كان هنا... ماذا كان ليفعل وهو يرى حلمه الأول يتحقق... ولو بعد حين... ماذا كان ليقول... أو ليكتب وقد اعتاد الناس افتتاحياته التي لا تهاب الحواجز ولا تتقن إلا الكلمة السوية الحرة المتحررة... كلها أسئلة محقة... لكن افتراضية... الأهم يبقى أن جيل الثوار ممن حفر قسمه الشهير، وقد صار وصيته، عميقا في ذاكرتهم، يفتقدون حضوره الآسر وصوته الشجاع وإقدامه... وهم اليوم، وفي ذكرى غيابه الرابعة عشرة يناجونه قائلين: أمثالك أقوى من أن يغرقهم الزمن في بحر النسيان... فالكلمة الصادقة أقوى من الرحيل... نعاهدك أن "نواصل النضال حتى آخر نقطة حبر في قلبنا وآخر نقطة دم في قلمنا"، على ما كتبت يوما... كيف لا ونحن قوم نحفظ العهد والوعد والقسم... نم قرير العين في عليائك لأن "مين خلف ثورة ما مات"... لكن لا تنس أن تصلي لنا... فنحن في حاجة ماسة إلى صلوات الملائكة الحارسة وشفاعات الأبطال والشجعان، وهم الأقرب إلى قلب الله...