جدل حيال مشاريع إنتاج الطاقة الشمسية... فأين أصبحت؟

عامان بالتمام والكمال مرّا على منح مجلس الوزراء 11 ترخيصا لتجمع شركات "كونسورتيوم" التي أبدت رغبتها في الاستثمار في إنتاج الطاقة الشمسية وبيعها من مؤسسة كهرباء لبنان، للمشاركة من جهة في خفض التقنين القاسي، ومن جهة أخرى لوضع البلاد على لائحة الدول التي تتبنى ثقافة الاستثمار بصناعة الطاقة المتجددة.


ولكن أين أصبحت هذه المشاريع؟ وكم أنجز منها؟ وكم هي الـ"الميغاواطات" التي أنتجت حتى اليوم؟ الجواب: صفر، والأسئلة بالجملة. أولها وليس آخرها لماذا تهافت حاملو الرخص على نيلها؟ ولمَ بذل من أعد القانون وأقره ومن بعده الرخص، الجهود والدراسات، والجدوى الاقتصادية؟ والأهم، من باع مجددا الناس "سمك الآمال، في بحر التسويف" ويريد منهم التصديق أن إنتاج 15 ميغاواط من الطاقة المتجددة يحتاج الى كل هذه المدد والتبريرات؟


إذا كان من تقدم ومُنِح رخصة طلبها، وبذل في سبيل الحصول عليها الكثير من "العلاقات العامة"، لم يباشر ضمن المهلة القانونية المحددة بسنة واحدة البدء بتنفيذ المشروع، وتشييد ما يحتاج اليه من بنى تحتية وغيرها من مستلزمات إنتاج الطاقة النظيفة، فهل من العدالة إبقاء رخصته "شغالة"؟ وهل يحق له وضعها في الدرج سنة إضافية وإبقاء اللبنانيين رهينة "حجة" عدم وجود تمويل؟

وإذا كانت حجة حاملي الرخص أن لديهم صعوبة في الحصول على تمويل من الخارج للبدء بالتنفيذ، ثمة من يسأل أين ملاءتهم؟ وكيف تقدموا بعروضهم ما لم تكن شركاتهم تحوز رأسمال كافيا يسمح على الأقل بإطلاق المشاريع المستهدفة؟


أحد مشاريع الطاقة البديلة.

في 12 أيار 2022، منح مجلس الوزراء 11 ترخيصا لتجمع شركات لبناء محطات إنتاج كهرباء على الطاقة الشمسية، بعد مناقصة أجريت عام 2017 تقدمت اليها 264 شركة بقي منها 11. التراخيص توزعت على المنطاق اللبنانية كافة: 3 في البقاع، 3 في الجنوب، 3 في جبل لبنان ومشروعان في الشمال، بقدرة أجمالية تراوح بين 120 و180 ميغاواط، أي بمعدل يراوح بين 30 و40 ميغاواط في كل محافظة، فيما كلفة إنتاج الكيلوواط ساعة تراوح بين 5.7 و 6.27 سنتات. ولكن أين أصبحت هذه الرخص؟ ولماذا لم يباشر أصحابها تنفيذ مشاريعهم بعد؟


رئيس المركز اللبناني لحفظ الطاقة بيار خوري يشرح لـ"النهار" آلية الحصول على هذه الرخص والتي تمر بـ 3 مراحل: الاولى مرحلة المناقصة للحصول على الرخصة، والثانية تتعلق بالوقت لتأمين التمويل، والثالثة بناء محطة للطاقة الشمسية وإبرام عقد مع مؤسسة كهرباء لبنان لشراء الطاقة المنتجة منهم. ولكن يا للاسف، لم تستطع الشركات الحصول على التمويل اللازم، فمنحها مجلس الوزراء سنة إضافية لتأمين التمويل انتهت في أيار 2024، ثم عاود وزير الطاقة تجديد الفترة سنة إضافية تنتهي في أيار 2025، على أن تسعى الشركات خلال مهلة عام الى شراء الأرض أو استئجارها لبناء محطة للطاقة الشمسية بقدرة 15 ميغاواط.

قبل أيام، أثار النائب ميشال ضاهر موضوع هذه الرخص وطرح تساؤلات عن الجدوى من بقائها مع شركات لن تستطيع تأمين التمويل لتنفيذ مشاريع إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، مقترحا إلغاءها وفتح المجال أمام شركات أخرى قادرة على تمويل مشاريع مماثلة وجعلها حقيقة واقعة، "إلا إذا كان المطلوب فعلا أن تحقق الشركات التي تملك هذه الرخص أرباحا من خلال بيعها من جهات أخرى كما حصل مع شركة CMA CGM الفرنسية التي اشترت رخصتين وتكهن الوزير أن ثمن الرخصة الواحدة وصل إلى مئات آلاف الدولارات من دون أن يتمكن من تحديد الرقم الحقيقي لسعر الرخصة، علما أنه يسعى لبيع TOTAL-ENERGIES و QATAR ENERGY رخصة من هذه الرخص التي يبدو أنها قد وجدت ليس لإنتاج الكهرباء، بل كي يستفيد منها أصحابها الذين قد يكونون موالين لجهات سياسية معينة دخلت في محاصصة توزيع هذه الرخص".


واستغرب خوري الحديث عن الأرباح التي يمكن أن يحققها أصحاب الرخص، فهؤلاء استثمروا ووظفوا مهندسين كانوا يدفعون لهم أجورا طوال الفترة الممتدة من عام 2017 تاريخ إجراء المناقصة حتى عام 2023 تاريخ الانتهاء من الرخصة، وتاليا فإن بيع الرخصة لم يحقق الربح الذي يتأتى أصلا من إنتاج الكهرباء وبيعها لمؤسسة الكهرباء على فترة 25 سنة.

ووفق عقد الرخصة، إذا أراد تجمع الشركات بيع أقل من 30% من أي حصة فليس في حاجة الى موافقة مجلس الوزراء، ولكن في حال بلوغ البيع نسبة بين 30% و50% فإنه في حاجة الى هذه الموافقة. وبما أن CMA اشترت 100% من حصة رخصة شركة "فينيكس" في الشمال و100% من حصة رخصة "بانوراميك" في جبل لبنان، فإنها حصلت على موافقة مجلس الوزراء بنقل الرخصتين اليها.

وأكد خوري أن شركةCMA مهتمة بشراء كل الرخص، وقد تواصلت مع أصحابها، لكنها توصلت الى اتفاق مع أصحاب رخصتي الشمال وجبل لبنان، فيما فضل الباقون الانتظار لتأمين التمويل والبدء بالتنفيذ خلال سنة. وخلال هذه السنة إذا لم يستطع إصحاب الرخص تأمين التمويل، فيمكن وضعهم أمام خيار التنفيذ أو سحب الرخص منهم لإفساح المجال أمام غيرهم من المستثمرين، متوقعا أن تنفذ CMA المشروع خلال أشهر قليلة، وقد أجرت للغاية مناقصة لتعيين استشاري للمساعدة في البناء، وحاليا تحضر مناقصة أخرى للتعاقد مع المورد.

وفي السياق، اقترح وزير الطاقة وليد فياض أن تشتري "قطر انرجي" و"توتال انرجيز" الرخص الـ9 الأخرى. ومعلوم أن شركتي توتال والقطرية عرضتا بناء محطة شمسية بـ 100 ميغاواط، ولكن هذا الاستثمار وفق ما يقول خوري لا آلية قانونية له، "لذا اقترحنا أن يشتروا واحدة من هذه الرخص (15 ميغا) وبناء المحطة لإثبات جديتهم، ومن ثم يمكنهم المطالبة برفع القدرة الإنتاجية الى 100 ميغا".