المصدر: نداء الوطن
الكاتب: شربل صفير
الجمعة 7 آذار 2025 07:42:36
لطالما كانت الجرائم الغامضة في لبنان محور جدل واسع، من حالات اختفاء مفاجئة إلى عمليات قتل غامضة، دون إجابات واضحة. ومع استمرار تعثّر التحقيقات التقليدية، يطرح التساؤل: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مفتاح باب العدالة المغلقة؟
سلاح جديد في عالم التحقيقات
مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، بات بالإمكان تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة ودقة تفوق القدرات البشرية. وتعتمد هذه التكنولوجيا على الخوارزميات المتقدمة التي تستطيع التعرف على الأنماط المخفيّة، وربط الأدلة ببعضها، ما قد يساعد في فكّ شيفرة الجرائم المستعصية. وفي لبنان، يمكن أن تشكّل هذه التقنيات نقلة نوعية، حيث تستطيع أدوات الذكاء الاصطناعي تحليل تسجيلات كاميرات المراقبة، مقارنة ببصمات الوجه، وتتبّع البيانات الرقمية للضحايا والمشتبه بهم، ما قد يساهم في إعادة فتح ملفات قضايا قديمة.
حلّ الألغاز؟
يكمن التحدي الأساسي في التحقيقات الجنائية في نقص الأدلة أو تعقيد الوصول إليها. هنا يظهر دور الذكاء الاصطناعي في إعادة بناء مسار الجريمة من خلال تحليل الأدلة المتناثرة. ومنها على سبيل المثال، تحليل بيانات الهواتف المحمولة، وسجلات البصمات الحيوية، وحتى أنماط حركة الأشخاص، ما يمكن أن يؤدي إلى كشف تفاصيل لم تكن متاحة سابقاً. كما يمكن للخوارزميات تحديد أنماط سلوك مشبوهة، وربط الأدلة الجنائية بسرعة تفوق المحققين التقليديين.
في لبنان، حيث يواجه المحققون تحديات تتعلق بالوصول إلى الأدلة والموارد المحدودة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يشكّل أداة أساسية في كشف الجرائم، خصوصاً في القضايا التي عجزت التحقيقات التقليدية عن حلّها. فعلى سبيل المثال، قد يساعد تحليل أنماط الجريمة في مناطق معينة على التنبؤ بمواقع الجرائم المستقبلية وتوجيه الجهود الأمنية بشكل أكثر كفاءة.
دور الدولة والتحديات المقبلة
إذا كانت هذه التكنولوجيا ستحدث ثورة في التحقيقات الجنائية، فإن تبنّيها يتطلب إرادة سياسية واستثماراً في البنية التحتية التقنية. وتحتاج الدولة اللبنانية إلى تحديث أنظمة الأمن، وتعزيز التعاون بين الأجهزة الأمنية وخبراء التكنولوجيا، إضافة إلى وضع تشريعات تنظّم استخدام الذكاء الاصطناعي في التحقيقات لضمان عدم انتهاك الخصوصية والحقوق المدنية.
مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، لم يعد حل الجرائم المستعصية مستحيلاً. ففي لبنان، حيث تظل قضايا كثيرة طي النسيان، قد يكون الذكاء الاصطناعي المفتاح لإعادة إحياء العدالة وكشف الجناة الذين أفلتوا من العقاب. ولكن يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الدولة من مواكبة هذا التطور وتطبيقه بفعالية في التحقيقات الجنائية؟ أم أن الجرائم الغامضة ستظل رهينة المجهول؟