المصدر: الراي الكويتية
الأحد 16 شباط 2025 23:28:37
رسّمتْ مواقفُ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، المَخاطر الكبرى التي ما زالت تحدق بـ«لبنان الجديد» الذي بات محكوماً بالمتغيّرات الجيو - سياسية في المنطقة، في الوقت الذي يشي «صراخُ» حزب الله في اتجاه الداخل بأنه محاولةٌ للإمساك ببعض خيوطِ الحدِّ من الخسائر وأنه أقرب إلى «بَدَلٍ عن ضائع» اسمه انتهاء الوظيفة «الحربية» الإقليمية للحزب، من دون أن يعني ذلك التخفيف من ارتدادات الإمعان في معاندة الوقائع الجديدة على الواقع اللبناني واستقراره.
ففي الوقت الذي كانت «الأجواء مع إيران» على تَأزُّمها على خلفية منْع رحلةٍ لـ«ماهان إير» من الهبوط في بيروت، بعد تحذيرٍ إسرائيلي من أنها تحمل أموالاً لتسليح «حزب الله» وما تَسَبَّبَ به ذلك من غضبةٍ متفلتّة لمناصري الحزب على طريق المطار تأجّجت منذ الخميس، في ضوء ما رافَقَها من مَظاهر شغب واعتداءٍ على قافلة لقوة «اليونيفيل» وتحرّش بالجيش اللبناني، بدا أن لبنان الرسمي الذي دَهَمَتْه «أزمةُ الطائرة» وتَعاطى معها بما يَحفظ أمن مرفقه الجوي الوحيد ويتصدّى لمحاصرته باحتجاجاتٍ ارتدّت سلباً وباكراً على الآمال بانتعاشٍ سياحي لا مدخل إليه إلا عبر مطار رفيق الحريري الدولي، سيواجه المزيد من التحديات الموروثة من الحرب التي زَجّ فيها حزب الله البلاد وعُلّقت على هدنةٍ تنتهي مهلتها الممدَّدة غداً.
سلاح «حزب الله»
ولم يكن عابراً أن يحتلّ لبنان حيزاً واسعاً من المباحثات التي جرت، أمس، في إسرائيل بين نتنياهو وروبيو، الذي أعلن أن واشنطن وتل أبيب «تتوقعان أن تعمل الدولة اللبنانية على نزع سلاح حزب الله»، مؤكداً «في ما يتعلق بلبنان، أهدافنا متوافقة، دولة لبنانية قوية قادرة على مواجهة حزب الله ونزع سلاحه».
بدوره أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي لم تُخْفِ بلاده ارتياحها الكبير لوصول شحنة القنابل الثقيلة (زنة طن) MK84 «المفرَج عنها» من الولايات المتحدة، أنه «يجب نزع سلاح حزب الله بالكامل، وإسرائيل تفضّل أن يقوم الجيش اللبناني بهذه المهمة. ولكن يجب ألا يشكك أحد في أن إسرائيل ستقوم بما يلزم لتطبيق التفاهمات في شأن وقف إطلاق النار والدفاع عن أمننا».
تناغم أميركي - إسرائيلي
وتم التعاطي مع هذا التناغم الأميركي - الإسرائيلي حيال هدف نزْع سلاح «حزب الله» -بحسب مفهوم البلدين لمندرجات اتفاق وقف النار و«كتاب الضمانات» غير المعلَن بين واشنطن وتل أبيب- على أنه سيكون الناظم لِما بعد انتهاء الهدنة بوقتها الإضافي غداً، وسط اقتناعٍ بأن لبنان الرسمي، الذي يستعدّ اليوم لإقرار بيان وزاري للحكومة الجديدة يُرجَّح أن يخلو للمرة الأولى منذ «جمهورية الطائف» من عبارة «مقاومة» ما يعني عملياً سحب الشرعية عن سلاح الحزب، لم يَعد أمامه هوامش للمناورة في ما خصّ تطبيق القرار 1701 وأخواته، ولو اختار اعتماد اتفاق الطائف كـ«سلّم طوارئ» نحو الغاية عينها، وخصوصاً أن إسرائيل لا تتوانى في إظهار يدها العليا في تطبيق اتفاق 27 نوفمبر وفق الموازين التي انتهتْ إليها الحرب وعجْز «حزب الله» عن العودة إلى قتالٍ معها لإدراكه أن أي مغامرة ستكون هذه المرة مميتة أكثر.
وهذا ما يفسّر واقعياً تحوُّل مسألة وصول الأموال إلى «حزب الله» عبر إيران وطيرانها عنوان معركة يخوضها الحزب في الشارع وبأدواتٍ «توتيريةٍ»، في ظلّ اعتقادٍ بأن جوهر المواجهة يرتبط بأمرين:
1- رغبةِ حزب الله بعدم حصْر ملف الإعمار بيد الدولة لأن ذلك سيعني ترْكه باباً لإمساك البيئة الشيعية من اليد التي تؤلمها وأحد عناصر الضغط السياسي على الدولة في اتجاه إنهاء وضعيته العسكرية خارج الشرعية.
2 - الإبقاء على «ديفرسوار» مالي – عسكري مع إيران التي لم تسلّم بعد بـ«نهائية» المتغيّرات في لبنان وسورية، وما زالت تحاول الاحتفاظ بورقة ما على البحر المتوسط.
واستوقف أوساطاً سياسية ما أبلغه مصدر أمني لبناني إلى «فرانس برس» من «أن سلطات لبنان منعت الطائرة الإيرانية من الهبوط يوم الخميس الماضي، بعد أن نُقل للدولة عبر الأميركيين أن إسرائيل ستستهدف مطار بيروت في حال جاءت الطائرة الإيرانية إلى لبنان».
وأضاف «أبلغ الجانب الأميركي الجانب اللبناني أنّ الإسرائيلي جدّي في تهديده، وبناء على هذا التهديد طلب وزير الأشغال فايز رسامني بعد التنسيق مع رئيس الحكومة نواف سلام ورئيس الجمهورية جوزف عون حجب الأذن ومنْع قدومها إلى مطار بيروت وإبلاغها بذلك قبل أن تأتي».
وتابع المصدر أن السلطات اللبنانية اعتبرت أنّ «الحل الأمثل هو ألا تهبط هذه الطائرة كي لا يتعرّض المطار للخطر مع أنّ الأمن اللبناني يفرض تفتيشاً مشدداً على الطيران الإيراني».
وفي سياق متصل أوردت وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا» أن لبنان أبلغ طهران بتعليق الرحلات الجوية الإيرانية إلى بيروت حتى 18 الجاري.
حسين بور فرزانة
ونقلت عن رئيس منظمة الطيران المدني الإيرانية حسين بور فرزانة أنه في ضوء القضايا الأمنية التي تسود مطار بيروت حالياً، فقد تم إلغاء كل الرحلات إلى لبنان، حتى الثلاثاء كحد أدنى.
وعلّق بور فرزانة على خبر تهديد إسرائيل «باستهداف الطائرات الإيرانية المتجهة إلى لبنان»، قائلاً: «لم أسمع كلمة التهديد، ولكن في ضوء ما دار خطياً بين منظمة الطيران المدني الإيرانية ولبنان، فقد طلب الجانب اللبناني منّا، أنه نظراً للظروف الأمنية الخاصة في بيروت وإلغاء كل الرحلات الخارجية، تعليق الرحلات الإيرانية المتجهة إلى بيروت حتى 18 الجاري، وسنتابع هذا الأمر يومياً وسنقوم بحل هذه المشكلة قطعاً».
«معركة الطائرة»
وفي موازاة ذلك، مضى «حزب الله» في «معركة الطائرة»، مطالباً في بيانٍ، الدولة اللبنانية «بالتراجع عن قرارها بمنع الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت واتخاذ إجراءات جدية لمنع العدو الإسرائيلي من فرض إملاءاته والتعدي على السيادة الوطنية»، موضحاً أن «الاعتصام الشعبي الذي نظّمه السبت استنكاراً للتدخل الإسرائيلي السافر في الشؤون اللبنانية، كان سلمياً وتعبيراً حضارياً عن موقف شعبي رافض للخضوع غير المبرر للإملاءات الخارجية. لكن المعتصمين فوجئوا بإقدام بعض عناصر الجيش اللبناني على إطلاق القنابل المسيلة للدموع باتجاههم، في تصرّف مُستهجن يُشكّل اعتداءً غير مُبرّر على مواطنين سلميين. وهو محاولة مشبوهة لزج الجيش في مواجهة مع أهله وشعبه».
وإذ دعا الحزب «قيادة الجيش إلى فتح تحقيق عاجل عن هذا الاعتداء المدان واتخاذ الإجراءات المناسبة حفاظاً على دور المؤسسة العسكرية في حماية الاستقرار والسلم الأهلي، دان الحادثة التي تعرضت لها «اليونيفيل»، الجمعة، في محيط مطار رفيق الحريري الدولي «ويؤكد رفضه القاطع لأي استهداف لها، وكذلك لأي مس بالممتلكات العامة والخاصة».
الجيش اللبناني
ولكن الجيش اللبناني أكد في بيان، «أنّه تم التنسيق مسبقاً مع منظمي الاعتصام لناحية الالتزام بالتعبير السلمي عن الرأي، وعدم قطع الطريق المؤدية إلى المطار، غير أن عدداً من المحتجين عمد لاحقاً إلى قطع الطريق والتعرض لعناصر الوحدات العسكرية المولجة حفظ الأمن، والتعدي على آلياتها، ما أدى إلى إصابة 23 عسكرياً، بينهم 3 ضباط، بجروح مختلفة، ما اضطر هذه الوحدات إلى التدخل لمنع التعدي على عناصرها وفتح الطريق»، مضيفاً: «جاء تدخل الجيش تطبيقًا لقرار السلطة السياسية بهدف منع إقفال الطرق والتعديات على الأملاك العامة والخاصة، وضمان سير المرافق العامة والحفاظ على أمن المسافرين وسلامتهم، حفظاً على الأمن والاستقرار».
وفي الوقت الذي طرحتْ أحداث طريق المطار مجدداً مسألة استحداث مطارات أخرى وخصوصاً في القليعات (شمال لبنان)، أثار التعاطي الرسمي مع الاحتجاجات والحزم في التصدي لأعمال الشغب والتعرض لـ«اليونيفيل» ارتياحاً خارجياً كان الأكثر تعبيراً عنه بيان وزارة الخارجية السعودية التي أكدت دعمها الكامل للإجراءات التي اتخذتها الجمهورية اللبنانية لمواجهة محاولات العبث بأمن المواطنين اللبنانيين، والتعامل بحزم مع الاعتداء على قوة الأمم المتحدة «اليونيفيل».
دعم سعودي
وجددت وزارة الخارجية السعودية «الدعم والثقة في ما يتخذه الرئيس جوزف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام في هذا الصدد، وما يقوم به الجيش اللبناني من مهام وطنية تسهم في تحقيق الأمن والاستقرار».
وفي إطار غير بعيد، وغداة إعلان الرئيس سلام أنه «إذا اعتقد أحد أنّ الاعتداء على «اليونيفيل»، بالشكل الذي حصل، من شأنه المساعدة على إنجاز الانسحاب الإسرائيلي في 18 فبراير، يكون مخطئاً. ولكن هذا لا يعني أننا سنتوقف عن العمل لحشد كل الدعم الديبلوماسي والسياسي لتحقيق هذا الأمر»، لم يتأخر نتنياهو في تلقّف «هدية» التعرّض للقوة الداخلية التي تُعتبر حارسة تطبيق الـ1701 والجهة التي أريد أن تكون البديل على الأرض عن إسرائيل في التلال الإستراتيجية الخمس التي من شبه المحسوم أن تل أبيب ستحتفظ بها بعد انسحابها غداً من البلدات التي ما زالت تحتلها.
فقد اعتبر نتنياهو الاعتداء على «اليونيفيل» بأنه «غير مشجّع»، في الوقت الذي نقلت صحيفة «يسرائيل هيوم» أن «الجيش الإسرائيلي يستعدّ لانسحاب كامل من لبنان خلال يومين».
كما أشارت الصحيفة نقلاً عن مصادر أمنية «أننا ننتظر توجيهات القيادة السياسية في شأن الانسحاب من لبنان أو تمديد البقاء حال طلب ذلك»، لافتة إلى أن «قوات الجيش ستنتشر قرب الحدود مع لبنان بثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب».
وأضافت: «لم نتلق تعليمات من القيادة السياسية في شأن البقاء في أي نقطة بجنوب لبنان».