المصدر: النهار 
الكاتب: نبيل بو منصف 
الجمعة 31 تشرين الأول 2025 08:13:23
سيكون تشرين الثاني "اللبناني" البادئ اليوم، شهراً مفصلياً في مسار لبنان المتأرجح بقوة بين الوقائع المتصادمة ميدانياً وديبلوماسياً والتي تجعله دوماً عند شفا السقوط مجدداً في كارثة حرب متجددة لم يعد يحتملها بأيّ شكل من الأشكال، أو التوجّه نحو مرحلة تفاوضية لن تكون بمعايير تقليدية هذه المرة مهما كلف الأمر.
في الشهر الطالع هذا، سينقضي عام كامل على ما سُمّي اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، الذي سرى مفعوله رسمياً في 27 تشرين الثاني 2024، بعد حرب الـ66 يوماً الإسرائيلية على "حزب الله" التي قوّضت قدراته العسكرية والقيادية والبشرية إلى حدود غير مسبوقة منذ تأسيسه وإن لم تجهز عليه إجهازاً كاملاً.
سنة كاملة من هدنة لم تبلغ يوماً مستوى ومنسوب الهدنة الحقيقية، إذ تكفي جردة الخسائر التدميرية في مناطق جنوبي الليطاني وبعض مناطق البقاع الشمالي، كما تعداد مئات القتلى في صفوف الحزب من قادة وعناصر في الاغتيالات التي تنفذها المسيّرات الإسرائيلية منذ سريان ذاك الاتفاق، حتى تثبت حالة حربية نصفية لا تزال تهيمن بنارها وتداعياتها واحتمالات توسّعها إلى حرب شاملة مجدداً.
وعلى سطح الاحتمالات المتصادمة دوماً، تعيش البلاد على وقع ضجيج الخشية من تجدد الحرب فيما تتسارع الاستعدادات لأول زيارة سيقوم بها البابا لاوون الرابع عشر لتركيا ولبنان حيث يحلّ في الربوع اللبنانية في آخر تشرين الثاني ويمكث فيها ثلاثة أيام مفتتحاً أيضاً شهر أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة.
في المعطى الديني للمسيحيين اللبنانيين كما في المعطى الاستراتيجي المعنوي للبنان كله بكل طوائفه، يُفترض أن تحمل زيارة البابا أبعاداً لا تقلّ تأثيراً وأهمية ودلالات عن إحدى أعظم زيارات البابوات التاريخية للبنان التي قام بها تحديداً البابا "الأيقوني" يوحنا بولس الثاني، غداة فجر عصر الطائف ونهاية الحرب في لبنان في 10 أيار1997 و11 منه، إذ إن الظروف الانتقالية التي عاشها لبنان آنذاك جعلت من الزيارة رافعة كبيرة لدفعه نحو استعادة خصوصياته التاريخية، فيما ظروفه الانتقالية الحالية تضعه أمام منقلبات ربما أشدّ خطورة وتحتاج بشدة إلى دعم من نوع آخر لا تمتلكه دول تقليدية بل يمتاز به اللاعب الديني – الدنيوي الوحيد أي الفاتيكان وشخص البابا تحديداً.
لبنان من غير دول المنطقة قاطبة، يشكل حاضنة متميزة لزائر استثنائي هو البابا الذي أياً تكن جنسيته الأصلية، يحل هنا، في لبنان، في المختبر الذي يحلو للكرسيّ الرسولي أن يرفعه كنموذج عالمي لتعايش وتمازج وكيمياء السلام والاستقرار والتطور بين الأديان والطوائف. ولكن لا البابا بمهابته الشخصية، ولا الفاتيكان صخرة الكاثوليكية العالمية والدولة في آن واحد، تمكنت مرة أو ستتمكن الآن ولاحقاً، من حماية لبنان من "مقتلين" يشكلان دوماً مصدر استعادة حروبه وأزماته وسقطاته: مقتل العجز التاريخي عن ترسيخ دولته القوية، ومقتل عبث محيطه الإقليمي بسيادته واستقلاله ووحدة شعبه.
لذا ستكون زيارة البابا الجديد للبنان في نهاية تشرين الثاني جرعة الأوكسيجين الضخمة التي ستضخ معنويات ضخمة في مسار الدولة المتعثرة بين إيجابيات تتحقق وأخطار لا تزال ماثلة في أيّ لحظة، كما لدى اللبنانيين المسيحيين والمسلمين المنهكين تحت وطأة الأزمات والانهيارات والأهم تحت أثقال وعقد الخيبات.
ولعل المفارقة التي تبقي لبنان بلد الخصوصيات المتعذرة لدى دول المنطقة الأخرى، أنه بموازاة المفترقات الكبيرة تغدو معركة قانون الانتخاب المتدحرجة الآن عنواناً يتصدّر كل المشهد وكل احتمالات الحرب والسلم وحتى الاستعدادات لأيام بابوية تاريخيّة فيه!