من مفارقات الصدف، ان تحلَّ مناسبة الذكرى الخامسة لجريمة تفجير مرفأ بيروت هذا العام، مع انطلاق التحقيق بوتيرة متسارعة لكشف وملاحقة المسؤولين عن هذه الجريمة المروِّعة والاقتصاص منهم، بعد زوال عوائق تعطيل حزب الله لمساره القضائي، بالتزامن مع التشدد الاقليمي والدولي، واتساع المطالبة المحلية، لنزع سلاح حزب الله، المتسبب حسب الشبهات والوقائع والممارسات، باستيراد وتخزين المواد المتفجرة في المرفأ، بعيدا عن اجراءات السلامة العامة والقوانين المرعية الاجراء.
كارثة التفجير المروِّعة لمرفأ عاصمة لبنان، والتي تسببت بقتل اكثر من مايتي شخص وآلاف الجرحى، وتدمير جانب كبير من واجهة المدينة، والممتلكات والابنية والمنازل والمستشفيات والمؤسسات التجارية في انحائها، وتخريب وتعطيل اهم مرفق حيوي في لبنان، كانت احد الاحداث المهمة التي كشفت بوضوح حقيقة دور ووظيفة سلاح الحزب، بالتورط في هذه الكارثة التاريخية، من خلال ردات الفعل الانفعالية، وتصرفات وممارسات مسؤولي الحزب على كل المستويات، بمحاولات يائسة لإضاعة وطمس الدلائل التي تثبت دوره، في استيراد وادخال الكميات الضخمة من «نيترات الامونيوم» المتفجرة الى مرفأ بيروت، وتخزينها بطرق ملتوية ومخالفة للقوانين، وتسهيل نقلها تدريجيا عبر استغلال النفوذ مع المسؤولين السياسيين والاداريين والامنيين، للنظام السوري السابق، لاستعمالها في سلاح البراميل المتفجرة لقتل آلاف السوريين المعارضين للرئيس المخلوع بشار الاسد وللوجود الايراني الداعم للنظام والمشارك في هذا التفجير التدميري.
اكثر من ذلك، ادى تدخل الحزب الفاضح لمنع التحقيقات الامنية والقضائية من القيام بالمهمات المطلوبة منها، لكشف ملابسات هذه الكارثة، وتهديده المباشر للقضاة، المكلفين بهذه المهمة، وصولا الى تجييش المناصرين في الشارع، وتحريك المشاعر المذهبية والطائفية، والتهديد بالفتنة الداخلية، والتسبب بسقوط المزيد من الضحايا، الى تعطيل وعرقلة التحقيق لفترة طويلة، ولكن بالمقابل اظهر شكوكا ومعطيات اضافية، لمدى تورط الحزب بهذا التفجير، وخشيته من انكشاف دوره ومسؤوليته المباشرة عنه.
في هذه الذكرى الاليمة على اللبنانيين عموما واهالي وذوي الضحايا خصوصاً هذا العام، يؤشر تسارع التحقيق بهذا التفجير الارهابي، الى عودة التعافي لدور الدولة، ما مكَّن المحقق العدلي في هذه القضية، القاضي طارق البيطار، من متابعة التحقيق، لكشف الحقيقة وملاحقة المتورطين بهذه الجريمة، مقابل تلاشي قدرة حزب الله على تعطيل مسار الاجراءات القضائية، لكشف وملاحقة الضالعين فيه، وانحسار هيمنته على مؤسسات الدولة، بعد الضربة القوية التي تعرض لها جراء قيامه بحرب «الاسناد»، لدعم حركة حماس ضد اسرائيل بإيعاز من النظام الايراني، ما يؤمل معه في اكمال ملف التحقيق واصدار القرار الاتهامي في وقت قريب، ما يشفي غليل ذوي الضحايا واهاليهم لمعرفة الحقيقة وتحقيق العدالة، ويخفف من مشاعر الغضب ويريح نفوسهم.
ممارسات حزب الله وارتكاباته، بعد جريمة تفجير مرفأ بيروت، كانت احدى الدلائل المهمة التي تؤشر بوضوح الى توظيف سلاح الحزب، في مشاريع الحروب الاهلية والمذهبية في سوريا والمنطقة العربية عموما، وخارج شعارات مقاومة اسرائيل، التي كان ومايزال يتلطى وراءها حتى اليوم، لتبرير الاحتفاظ بسلاحه خارج سلطة الدولة اللبنانية وقرارها، بالرغم من فشل هذا السلاح بالدفاع عن لبنان، والحزب نفسه، وتسببه باحتلال اسرائيل جديد، لمناطق لبنانية، وتدمير مناطق وقرى عديدة، وحتى الرد على الاغتيالات والاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة على مواقعه وما تبقَّى من مستودعات سلاحه، وهي الممارسات التي تُسقط كل ادعاءات ومطالب الحزب للاحتفاظ بسلاحه، وتعزز قرار الدولة المتخذ بحصر السلاح بيدها، اكثر من اي وقت مضى.