المصدر: AD Middleast
الخميس 2 تشرين الأول 2025 15:58:16
رغم مساحتها الصغيرة التي لا تتجاوز 600 متر مربع، تختزن جزيرة عبد الوهاب – أو ما يُعرف محليًا بـ"جزيرة البقر" نسبة إلى حيوانات الأطوم البحرية التي كانت تعيش في مياهها – تاريخًا غنيًا ودورًا محوريًا في تشكيل الهوية البحرية لطرابلس. فقد شكّلت على مدى قرون مركزًا لصناعة السفن وصيانتها تحت إشراف عائلة عبد الوهاب.
لكن الجزيرة ليست مجرد أثر بحري؛ فهي تضم أيضًا بقايا دير القديس توما العائد إلى زمن الصليبيين، كما تُعد موئلًا هشًا للتنوع البيولوجي، إذ تستقطب الطيور المهاجرة وتحتضن السلاحف البحرية المهددة بالانقراض ونباتات برية نادرة.
إحياء كنز مهمل
بعد سنوات من الإهمال وغياب أعمال الترميم منذ 2015، تدهورت حالة الجزيرة بشكل كبير، من تراكم النفايات والعشوائيات إلى تآكل الجسر المؤدي إليها، ما جعل العبور محفوفًا بالمخاطر. وتقول جومانا شهال تدمري، رئيسة جمعية Patrimoine Tripoli Liban:
«حين وصلنا، كانت الجزيرة مغطاة بكل أنواع النفايات. استغرقنا 15 يومًا لإزالتها، كما أصلحنا الجسر والمسارات. كل ما كان مكسورًا أعدنا ترميمه».
الجمعية، التي تأسست في باريس عام 2009، تعمل على حماية وإبراز التراث الثقافي لطرابلس عبر مشاريع ترميم، ورش في الحرف التقليدية، وحملات توعية، مع إشراك المجتمع المحلي لبناء شعور بالملكية المشتركة.
بين التراث والسياحة
في إطار جهودها الأخيرة، نظّمت الجمعية حفل عشاء خيري على الجزيرة، تلاه حفل موسيقي في الهواء الطلق، في مشهد أشبه بمنتجع متوسطي. الهدف كان لفت الأنظار إلى قيمة الجزيرة التاريخية والبيئية، وإظهار إمكانياتها كساحة عامة قابلة للاستثمار السياحي والثقافي.
وتوضح شهل تميري: «الجزيرة اليوم لا يقصدها سوى قلة من السكان المحليين. أريد أن تصبح أكثر جذبًا وسهولة للوصول. إنها بيئة جميلة، ولا يمكننا تركها على هذا النحو. لكننا بحاجة إلى قرار سياسي، فلا يمكننا أن نفعل ذلك وحدنا».
فرصة لإنعاش السياحة اللبنانية
مع سعي لبنان إلى التعافي الاقتصادي عبر إعادة إحياء قطاعه السياحي، تبرز جزيرة عبد الوهاب كـفرصة ذهبية لإعادة دمج التراث والبيئة في قلب النسيج الاجتماعي لطرابلس. فهي قادرة على أن تصبح نموذجًا لـ السياحة البيئية والثقافية، تجمع بين حماية التاريخ الطبيعي والإنساني وبين دفع عجلة التنمية الاقتصادية المستدامة.
جزيرة صغيرة، لكنها تختصر قصة مدينة بحرية عريقة، وتنتظر اليوم أن تستعيد مكانتها على خريطة لبنان السياحية والثقافية.