المصدر: المدن
الكاتب: محمد حجيري
الثلاثاء 20 شباط 2024 11:16:01
يسع المرء أن يلخّص واقع لبنان، الذي ينشغل جزء كبير من سكانه بـ"لوك" وشَعر سعد الحريري العائد من الاغتراب الخليجي، بأنّه جمهورية مفكّكة ومتحلّلة على الصعد وفي المجالات كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية...
والتحلّل، وإن كان عمره سنوات طوال في لبنان، لكنه في المدة الأخيرة، وتحديداً بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 والانهيار النقدي والمصرفي والسطو على ودائع المواطنين، والفراغ في رئاسة الجمهوري وانتظار خُطَب أمين عام الحزب الحاكم، أبرز على الملأ الفساد النوعي، من النافعة وتسجيل السيارات، إلى الدوائر العقارية، ومن تزوير الشهادات الجامعية التي ضربت سمعة لبنان التعليمية، إلى تفريغ الجامعة اللبنانية من معناها من خلال تسييس تفرّغ الأساتذة، ومعهم يأتي تعطيل القضاء واستتباعه ومحاصصته واستنسابيته...
ويزيد وقع التحلّل والترهل أكثر، إذا ما تأملنا واقع البنية التحتية، من السطو على المشاعات والأملاك العامة بقرار سياسي، إلى قطع أشجار الأحراج وقوداً للتدفئة بحجة الفقر، إلى سرقة الريغارات والأسلاك الكهربائية، ومن انخسافات طريق ضهر البيدر وطرق الضنية، إلى غرق بيروت في الشتوة الأولى وتقاذف المسؤولية هناك وهناك، إلى سقوط المباني على رؤوس قاطنيها في الشويفات وقبلها في المنصورية وطرابلس، مروراً بالمدينة الرياضية(الرحاب).
وليس سقوط المباني هذه، مجرّد حوداث عابرة وترهل جدران، فهي نماذج للمباني التي تطلبها من عند "علي اكسبرس" كما تقول النكتة، ومرآة لفساد كبير في الإدارات العقارية وشركات المقاولات ومكاتب الهندسة التي يحصل مشغلوها على شهادات غب الطلب، وأيضاً من عند "علي اكسبرس"... أيضاً، ثمّة آلاف المباني المشيّدة بطريقة عشوائية من دون مراقبة ومن دون مراعاة لقواعد البناء وقواعد السلامة العامة، وثمة آلاف المباني الأخرى التي هُرّبت تهريباً تحت ضوء القمر، وفي الليلة الظلماء من دون رخص قانونية، وربما أمام عيون مخافر الدرك بقرار سياسي أو حزبي، فقط لكسب ودّ الناخبين والموالين والمحازبين، وحين تقع الواقعة، تكون الصرخة الأولى: "وينيه الدولة".
الفادحة والمصيبة أن سقوط المباني إشارة إلى أننا، أمام أي هزة أرضية أو حرب محتملة، سنكون أمام كارثة كبيرة لا شفاء منها...
والدولة في تصدعها وانهيارها وتحلّلها وتشريقها وتغريبها ويُتمها، جعلتْ سكانها في تيه دائم وقلق أبدي وخوف مدقع. من الشمال، حيث قوارب الموت والهاربين من الشحّ والجوع والفقر نحو المجهول الأوروبي والذين قد تنتهي بهم رحلتهم وليمة لسمك البحر أو مجرد جثث متحلّلة على شواطئ بلدان البحر المتوسط... إلى الجنوب، والهاربين من لعنة "قواعد الاشتباك"، إذ بات لبنان يعيش على وقع تحليل ما يجري، ضمن منطق الحرب المحدودة لمنع الحرب المحتملة أو الكبرى، لكن الحرب المحدودة أدّت إلى تهجير عشرات الآلاف وقتل المئات.
وربما يكمن جوهر التحلّل الجمهورية، في فكرة من يتولى إدارة الحرب، ومن يتحكم بها ولماذا الحرب أصلاً؟ فعدا عن هشاشة الدولة وتفككها، تأتي سلطة الأمر الواقع لتدير اللعبة إلى مزيد من التفكك، بل إن سلطة الأمر الواقع هي الحاكم وهي القرار وهي الآمر والناهي والمفاوض.
عملياً في السياسة، نحن في مرحلة "الديكتاتورية المقنّعة"، بل المباشرة، والأسوأ من النظام الأمني السوري اللبناني، وهي استمرار له. فلئن كان النظام الأمني، في زمن غازي كنعان ومن بعده رستم غزالي، في المواسم الانتخابية يقول كلمة "سرّه" للتابعين والموالين له، وما عليهم سوى الإذعان والانصياع وبلع الموس، ففي زمن "الثنائي الوطني" واتباعهما، يرشحون شخصية تلبي طموحهم ومصالحهم "وتحمي" ظَهر المقاومة، ولا يهم إن خرب البلد أو تحلّلت الدولة أو سقطت أو تعطلت الحياة العامة. المهم أن ظَهر المقاومة بخير، وهذه الوتيرة بدأت من إميل لحود إلى ميشال عون وتستمر. يريدون ذميات سياسية بكل ما للكلمة من معنى، وبات لبنان في مرحلة الدولة الفاشلة...