جميلة كجعيتا: مغارة مار شليطا مدينة مخفية بالأرض

الطريق إليها وعرة وغير مجهّزة وتمتدّ صعوداً. لا يصلها إلا قلّة قليلة من هواة المشي والاستكشاف الذين يعرفون بأمرها. وصلنا إليها بعد عناء طويل. إنها مغارة مار شليطا المنسيّة سياحياً في بلدة قنات قضاء بشري، بجانب دير مار شليطا الأثري.

فيما تنال مغارة جعيتا اهتماماً سياحياً لا مثيل له ويزورها الآلاف سنوياً، تعاني مغارة مار شليطا من النسيان والإهمال من الدولة. وباتت معلماً مدفوناً تحت سابع أرض يزوره خلسة المستكشفون والهواة والحشريون من دون علم البلدية، التي أغلقتها لدواعي السلامة العامة. ولا بد من التنويه أنها ليست مغلقة بالشمع الأحمر من وزارة الثقافة كما يتداول البعض.

شبيهة بمغارة جعيتا
يصفها البعض أنّها مدينة مخفية تحت الأرض. فقد عثر في محيط وأسفل المغارة والبئر على بقايا فخارية تعود للعصر البرونزي وأدوات صوّانية تعود الى العصر الحجري القديم.

بدخولنا إليها، دخلنا إلى عالم يلفّه الظلام. يرشدنا "راعي الحلا" سمير غصن مع مجموعة من فريق "الأرض بتعرف أكتر" (مختصة بالهايكنغ)، إلى الطريق. نستعين بمعدات وبعض المصابيح التي لم تستطع أن تمحو العتمة المطبقة فيها. في جوّ مهيب مشينا تحت سقف قليل الارتفاع، وممرات ثلاث ضيقة. ومع التقدّم فيها ينخفض تدريجياً الأوكسيجين ما اضطر بعضنا للخروج قبل الأوان. وفي آخر الرواق المتعرج تتفتّح قاعة واسعة، علوّها أكثر من أربعة أمتار، شبيهة بمغارة جعيتا لناحية طبيعة سقفها الكلسيّ والترسّبات الصلصاليّة والمتدلّيات الصخرية. وفي الغوص أكثر داخلها تعثر على درجات منحوتة في الصخر تصل إلى ممر حديدي يؤدي إلى قاعة فيها شلال وبركة مياة عميقة. الصور التي التقطها البعض لا تفيها حقّها من الجمال. فالمغارة كنز طبيعي ينتظر من يجده ويعتني به ويذيع صيته.

أقسام المغارة
تتألف المغارة من مستويين: المستوى الأعلى وهو جاف نسبيا والمستوى الأسفل حيث مجرى الماء الجوفي. بالإضافة إلى النبع الذي هو كناية عن قاعة مغمورة بالمياه طولها 20 متراً.

ينقسم المستوى الأعلى إلى ممرين طبيعيين. واحد رئيسي والآخر جانبي وهو رواق تتوسطه بئر بعمق 12 مترا وينتهي بعد مسافة 100 متر تقريباً بممر ضيق جداً حيث يلتقي بالممر الرئيسي للمغارة. أما الممر الرئيسي فيمتد بطول حوالي 30 مترا حيث ينفذ إلى قاعة واسعة نسبياً. في طرفها الجنوبي توجد بئر، والنزول فيها يؤدي إلى المستوى السفلي للمغارة، حيث يوجد نهر جوفي ينساب من شلالات صغيرة عدّة.

وهناك قسم مكتشف حديثاً حيث وصل المستكشفون إلى حوض واسع وعميق يتبعه شقّ طويل ينتهي بتسلّق يؤدي إلى رواق يحتوي على أحواض ماء. أمّا المستوى الأعلى لهذا الموقع فلم يُستكشف بعد.

مهملة من الدولة
"من غير المحبّذ الدخول إليها من دون معدّات خاصّة، ويفضّل استكشافها مع مرشد خبير بالمغارة وبمجموعات، حتى لا يضيع أحد أو يتاذّى. فدهاليز المغارة كثيرة ومربكة"، يشير رئيس البلدية الأسبق شليطا كرم. ويضيف أنّها لم تكتشف بالكامل فهناك جزء غامض فيها لم يدخله أحد.

ويلفت كرم إلى أنه بسبب الأزمة في العام 2019 لم تتلقَ المغارة أيّ مساعدات مالية. وقد سبق وقدم دراسة عن المغارة إلى وزارتي الثقافة والسياحة. فتجهيزها يحتاج إلى أموال كثيرة. ما يعني أنه ربما يكون من الأجدى تسليهما للقطاع الخاص للاستثمار فيها، فالاتكال على الدولة لم يجدِ نفعاً، كما قال.

يدخل مغارة مار شليطا حالياً زوار من هواة الاستكشاف ويصوّرون داخلها فيديوهات تنشر على منصات التواصل الاجتماعي. وتغضّ البلدية النظر أحياناً إذا كان الداخلون إليها متخصصين ويحملون المعدات اللازمة، فهذه دعاية مجانية. وهنا يؤكد رئيس بلدية قنات الحالي طوني سعد أن البلدية ستعمل على تحريك ملف المغارة لدى الوزارة المختصة للحصول على الدعم الكافي من أجل تجهيزها بالإنارة وتأهيل ممراتها وإرسال فريق مختصّ لاستكشافها بالكامل. ويشير إلى أنّ المغارة بحاجة إلى تسويق إعلامي أيضاً فهي مجهولة للكثيرين ومنسية على الرّغم من أهميتها كمقصد سياحي.

منطقة مجهولة سياحياً
تحوي بلدة قنات أيضاً كنائس وأديرة أثرية أهمّها دير مار شليطا وهناك كنيسة مار شينا، كنسية السيدة، دير مار مخائيل، كنيسة القديسة شمونة، مزار القديسة تقلا، ومار نهرا، ما يجعل منها مقصداً للسياحة الدينية. وفي إطار الجهود السياحية لتنشيط المنطقة تحاول بلدتي حدث الجبة وقنات الترويج لطريق لهواة المشي بين البلدتين، لا سيما أنّ منطقة حدث الجبّة، التي تعتبر أكبر غابة أرز في لبنان من حيث المساحة وكثافة الأشجار، وهي مجهولة سياحياً لأنّها لم تسوّق إعلامياً كما يجب.

ولعلّ الألغام التي زرعت خلال الحرب الأهلية هي السبب الأبرز في كونها غير مقصودة. فالمنطقة كانت على خطوط التماس، وقد نظّف الجيش وبعض الجمعيات المختصة المنطقة وأعلنت آمنة. لكن يبقى، في المنطقة الداخلية على الحدود مع نيحا، خطر الألغام موجوداً. 

في الوقت الحالي الطرقات المعتمدة مع usaids آمنة وخالية من الألغام ويسلكها هواة المشي في الطبيعة. ويشير رئيس بلدية حدث الجبة سيمون عبد المسيح إلى أن غابة أرز الجبة لا يمكن تصنيفها كمحمية لأن معظم أراضيها ملك خاص، لا يمكن للدولة أن تستملكها. ويعتبر أنّ خطر الألغام ربما له ايجابية في حماية المنطقة من العابثين.

ويضيف أنّ البلدية لديها خطوات للتسويق سياحياً للمنطقة واستثمارها وتنفيذ مشاريع نظيفة لا تؤذي الطبيعة ونشاطات خارجية مثل الـzipline والتخييم وطريق للمشي يمتدّ من غابة أرز الجبة الى بلدة قنات وصولاً الى مغارة مار شليطا.