جنوح حرب لبنان إلى صِدام إقليمي يُسابِق "البطة العرجاء"

عشيةِ انتخاباتٍ رئاسية أميركية سيتسمّر العالمُ على الشاشاتِ في انتظار «الغَلَبة لمَن» على خريطة نتائجها التي سيتحدّد «لونُها»، أزرق أو أحمر، لم يَخرج لبنان عن وضعيةِ الانشدادِ لِما ستفرزه صناديقُ الاقتراع التي بدا أنها أَمْلَتْ ضبْطاً لقرقعة الصواريخ في جبهة الجنوب «على توقيتها»، على وقع مؤشراتِ «تحَوُّطٍ إستراتيجي» متقابلة أقرب إلى «التصعيد الردعي»، من إسرائيل وإيران، في ملاقاة احتماليْ فوز الجمهوريين أو الديمقراطيين وما قد يترتّب على كلٍّ منهما على صعيدِ أفق الحرب بعدما بات «التنين في الغرفة الإقليمية» مُنْذِراً بتكسير المنطقة.

وفي الوقت الذي ستنقشع الرؤيةُ في الساعات المقبلة حيال واحدةٍ من أكثر المعارك الانتخابية إثارةً للانقسام وحبْس الأنفاس في الولايات المتحدة، لم يكن ممكناً فَصْلُ المناخاتِ التسخينيةِ على جبهة إسرائيل - إيران خصوصاً، بالتوازي مع ارتقاء «حزب الله» في تظهير قدراته الصاروخية في «العالم السفلي» عبر الكشف عن منشأة «عماد 5» المحفورة «في الصخر»، عن مآلاتِ السباق الرئاسي وتأثيراته على مجريات الميدان وجبهاته المتمددة.
ويتمّ التعاطي في الأوساط السياسية مع تلويح طهران بورقة تغيير «العقيدة النووية» ومدى الصواريخ «التي راعَيْنا فيها حساسية أوروبا حتى الآن»، بالتوازي مع وَضْعِ «الردّ الآتي» على الهجوم الإسرائيلي الأخير ضدّها «على الطاولة»، في سياقٍ مزدوجٍ «موْصول» تلقائياً بالانتخابات الأميركية وما يفترض أن تفرزه من دينامياتٍ سياسية ودبلوماسية بحُكْم انتهاء «المرحلة الرمادية» من الانتظار، ومن دون التقليل في الوقت نفسه من «مخاطر» وضعية «البطة العرجاء» في فترة الشهرين الانتقالية الفاصلة عن التسليم والتسلم بين السلَف والخلَف.

ففي تقدير هذه الأوساط أن الإيحاءَ بإمكان التراجع عن حظْر إنتاج الأسلحة النووية، والذي دخل على خطه صاحب الفتوى، المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، مرتبطٌ بتفعيل طهران «استباقياً» خطوط الهجوم الدفاعي بإزاء احتمال فوز ترامب، الذي سيَعني أمرين متشابكين: أولهما ابتعاد فرص التوصل إلى اتفاقٍ في شأن النووي الإيراني ورفْع العقوبات وعودة لسياسة «الضغوط القصوى» من رئيسٍ سبق لإيران أن «جرّبته» بين 2017 و2021.

والثاني تبديد كل المسار الذي صاغتْه طهران في إطار التعاطي مع «حرب غزة وأخواتها» على قاعدةِ عدم تهديد حظوظ هاريس، وكذلك «الهنْدسة» التي أوْجَبَت عليها تكرارَ جعْل «الثورة» ترتدي «القِناع» (كما حصل ابان رئاسة محمد خاتمي) عبر إيصال رئيسٍ إصلاحي (مسعود بزشكيان) يمهّد لمرحلةِ خروج بلاده من كنف العقوبات ويُخْمِدُ جوانبَ من مسبّبات انتفاضة، 2022، وهو المسار «التصالُحي» الذي اعتبر البعض أنه ساهم في شكل غير مباشر في «كشْف» السيد حسن نصرالله وتجرؤ إسرائيل على اغتياله في 27 سبتمبر.

كما ترى الأوساط أن إيران التي تَلْمس مؤشراتٍ إسرائيلية إلى نيةٍ في المضيّ بالمواجهةِ على أساس «عقيدة الأخطبوط»، وتالياً ضرب «الرأس» أي طهران عوض الاكتفاء بمحاولة «قطْع الأذرع»، تحت عنوان «القضاء لمَرّة واحدة ونهائية» عن كل خطر يتهدّد بلادها لعقود آتية، تجد نفسها مضطرة لرفْع التحدي عبر التهديد باستخدام «الأسلحة الاحتياط»، تطويراً (النووي)، ووضْع الإصبع على زرّ ردٍّ «قوي ومعقّد» وقد يكون متعدد الجبهة «بعد التصويت الأميركي ولكن قبل تنصيب رئيس جديد في يناير».

وإذ يبدو هذا التهديد متّصلاً في أحد أبعاده بأن بنيامين نتنياهو يُبْقي على «لائحة أهدافه» ضرب المنشآت النووية الإيرانية، في أي جولة تصعيد جديدة بعدما «كبحتْه» واشنطن في ردّه الأخير، إلا أنه لا يمكن عزْله أيضاً عن شعور طهران بالحاجة إلى حماية ذراعها الأقوى، «حزب الله» وبتدخّل مباشر منها، عبر جعْل التهديد بخطوةٍ يمكن أن تشعل المنطقة برمّتها ورقةَ ضغطٍ أقله في «المرحلة الانتقالية» الأميركية لبلوغ وقفِ نارٍ على جبهة لبنان من خارج الشروط الإسرائيلية التي تعني واقعياً «تفكيكاً» لنفوذ الحزب سياسياً وتفتيتاً لآلياتِ تسليحه وقدراته العسكرية.

وفي وقت كان نتنياهو يعاود رسم شروطه على قاعدة «إبعاد حزب الله لِما وراء الليطاني ومنْع إعادة التسلح والرد بحزم على أي هجوم»، معلناً «سنقطع أنبوب الأوكسجين الخاص بالحزب من إيران عبر سورية وسنضرب أي محاولة لإعادة تسليحه»، ما يعني عملياً إصراراً على الاحتفاظ بحرية التحرك في الأجواء اللبنانية لجمْع المعلومات والتصدّي «بيده» لكل تهديد وشيك ما لم يعالجه الجيش اللبناني و«اليونيفيل» وإيجاد آلية دولية لمراقبة المعابر الحدودية على أنواعها، ظهّرت طهران الجانب «المُقايَضاتيّ» لتهديدها بالردّ المؤلم على إسرائيل، وفق ما عبّر عنه بزشكيان بقوله إذا «أعادت (تل أبيب) النظر في سلوكها بقبول وقف النار والتوقف عن قتل المظلومين والأبرياء في المنطقة، فإن ذلك قد يؤثر على نوع الرد الإيراني وشدّته».

وفي الإطار نفسه، تعتبر الأوساط أن طهران تستبق الانتخابات الأميركية عبر محاولة «الإمساك بزمام الأمور» وانتهاج سياسة تعتقد أنها ستَجْعلها «متقدمة خطوةً»، خصوصاً بحال فاز ترامب فتكون في وضعيةِ مَن يدير التصعيد وليس مَن يتلقى تشظياته، وكأنها توجّه «ضربةً استباقية»، مازالت حتى اللحظة كلامياً، ويُخشى أن تتحوّل واقعاً إذا استشعرت بأن نتنياهو سينتهج إستراتيجياً «رأس الأخبطوط» في الشهرين المقبلين، أو بأن ثمة ضرورة لوضْع ترامب، الذي يرفع شعار «إنهاء الحروب»، أمام تحدي «حافة الهاوية»، رغم إدراك كثيرين أن الأخير لا يتراجع أمام الضغوط ويبقى «THE UNPREDICTABLE» (لا يمكن التنبؤ به).

وإذ استوقف الأوساط في سياق «الجو الاستباقيّ» ما أعلنته هيئة البث الإسرائيلية مساء أمس، من «أن قوات الأمن أحبطت عملية اغتيال حاولت تنفيذها إيران، لقائد قاعدة سلاح الجو العسكرية نيفاتيم»، فقد بدا لبنان الرسمي في غمرة هذه المناخات وكأنه تحوّل «صندوقة رسائل» يوجّهها إلى المجتمع الدولي داعياً إلى وقف النار على أساس وعْدٍ بتطبيق القرار 1701 كاملاً.

وفي هذا الإطار، جاءت لقاءات رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وسفيرة الاتحاد الأوروبي، حيث أثار معهم الإنزال البرمائي في البترون وخطْف القبطان البحري عماد أمهز، وسلّمهم رسالة أكدت «أن العدوان الإسرائيلي المستمرّ، خصوصاً الهجمات على مدن مثل بعلبك وصور، أدت لنزوح قرى بأكملها وتهديد مواقع تراثية وثقافية لا تُقدر بثمن»، موضحة «ان الحكومة تدين بشدة هذه الأعمال التي تنتهك القانون الدولي بشكل صارخ وتعرض حياة المدنيين الأبرياء للخطر، وندعو إلى وقف فوري للنار لوقف العنف العبثي»، ومطالبة «مجلس الأمن باتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لحماية هذه الكنوز التاريخية».

وفي حين قال ميقاتي «إن الحكومة اللبنانية أعلنت صراحة التزامَها بالقرار 1701، وعزْمها على تعزيز الجيش في الجنوب ورحّبت بكل المواقف التي تدعو الى وقف اطلاق النار، الا ان العدو الاسرائيلي انقلب على كل الحلول المقترحة ومضى في جرائم الحرب في حق مختلف المناطق اللبنانية»، استمرّ الجيش الإسرائيلي في مسْح قرى الحافة الأمامية وتوسيع سياسة «الأرض المحروقة»، التي شملت أمس، بلدة ميس الجبل، في ظل إشاراتٍ تراجعية نسبياً للمواجهات الحدودية.

وفيما كان الإعلامُ الحربي لـ«حزب الله» نشر الأحد فيديو تحت عنوان «لن نَترك الساح... ولن نُسْقِطَ السلاح» تَظْهر فيه منشأة تحت الأرض فيها منصة لصواريخ «عماد 5» داخل نفق، فقد كثّف الحزب عملياته رداً على الغارات والاستهدافات الاسرائيلية الواسعة النطاق جنوباً وبقاعاً.

وأعلن أنه نفّذ سلسلة هجمات أبرزها ضد "وحدة المراقبة الجويّة في قاعدة ميرون ومستوطنات اييليت هشاحر وشاعل وحتسور ودلتون ونهاريا ومدينة صفد والكريوت«شمال مدينة حيفا».