المصدر: الديار
الكاتب: ندى عبد الرزاق
الثلاثاء 4 تموز 2023 10:22:32
تختلف التسميات والمصطلحات التي تتعلق بالاغتصاب عموما، والاعتداء الجنسي على القاصرات والأطفال خصوصا، ما بين الاضطراب السلوكي والمرض النفسي، لكن الفعل يبقى واحداً. لان ذاك المغتصب الذي استمال ضحيته بقطعة حلوى وضحكة خبيثة، افترسها بلا أي رحمة او إنسانية. تصرفٌ لا يمت للبشرية بصلة، وينتهي الفاعل الى انتزاع ملامح البراءة من الصغيرات اللواتي يتم الاعتداء عليهن بدم بارد ، دون أي مراعاة للقيم الإنسانية والمجتمعية وحتى الدينية.
وما بين نتاج "الاعتداء الجنسي" ووصف المغتصب نفسه، ومحاولة تلطّي البعض خلف فعلتهم من خلال تسمية هذا النوع من الاعتداءات "مرضا نفسيا"، فقد تم تصنيفه على انه اضطراب سلوكي، مبعدا خارج إطار الامراض النفسية، وذلك منذ عام 1992.
وبحسب الاستشاري في الامراض النفسية جمال فرويز "فإن اغتصاب الأطفال نوع من أنواع الشذوذ والخروج عن المألوف، وارتكاب هذه الجريمة مع الأطفال او كبار السن او الموتى او الحيوانات، تم تصنيفه وفقا لمنظمة الصحة العالمية وأطباء علم النفس، بأنه امتزاج ما بين السمات الاجرامية والسادية لدى شخصية المغتصب، نظرا لما يتجاهله المغتصب من بكاء وصراخ الضحية، لحالات تتجاوز التلذذ بسماع انين الآخرين في سبيل الشعور بالسيطرة والقوة، لنستنتج ان المعتدي ليس مريضا نفسيا مع احتمالية نعته كمختلج جنسياً، مع غياب الضمير الأخلاقي والرادع الديني والنفسي، بالإضافة الى كونه شخصا انانيا، فاقدا للنضج النفسي".
في لبنان، لم يمض العيد بلا حزن، حتى شاع خبر وفاة ابنة الست سنوات ل.ط إثر تعرضها للاغتصاب المتكرر، هذه الحادثة فجعت المجتمع اللبناني بأكمله، وتركت خيبات واوجاعا وخوفا من تكرار هذه الأفعال دون معاقبة الجناة بشدّة.
وفي التفاصيل، بعيد انتهاء عطلة عيد الأضحى نقلت الام ابنتها الى المستشفى بعد ان ارتفعت حرارتها، لكن ما لبثت ان اعادتها لاحقا الى المنزل وبدأت حالة الصغيرة بالتدهور، فنقلت ثانية الى مستشفى المنية الحكومي، لكنها لم تتمكن من الصمود وفارقت الحياة.
لكن الصدمة كانت في تقريرين لطبيبين شرعيين منفصلين، اكدا ان الطفلة تعرضت لاعتداء جنسي متكرر قبيل وفاتها، وأشار أحد التقريرين الى وجود كدمات على وجه الطفلة وتورم بالشفتين نتيجة تعرضها لاغتصاب.
على خط مواز، ذكرت وزارة الصحة ان الطفلة ل.ط نقلت مرتين متتاليتين الى مستشفى المنية، مضيفة ان مديرية العناية الطبية في الوزارة باشرت التحقيق اللازم في ظروف الوفاة.
وفي هذا السياق، قال مدير العناية الطبية الدكتور جوزاف حلو لـ "الديار": "الموضوع بات بيد القضاء، وهم بصدد جمع المعلومات والتدقيق بالملف، وعلى ضوئه سيتم اعلان ما توصل اليه التحقيق في مؤتمر صحافي لوزير الصحة في مدة أقصاها يومين.
انتشار الخبر إخبار غير مباشر!
واعتبرت امينة عام المجلس الأعلى للطفولة الدكتورة ريتا كرم في حديث لـ "الديار" ان مهمة المجلس الأعلى للطفولة وضع الخطط والسياسات للدولة اللبنانية بكل ما يختص بالطفولة. وعندما يكون لدينا حادثة على غرار ما وقع مع الطفلة ل.ط، فان انتشار الخبر على وسائل التواصل الاجتماعي هو إخبار غير مباشر الى اتحاد حماية الاحداث، ووظيفة الأخير التدخل وارسال مساعدة او مندوب اجتماعي لمتابعة القضية وحيثياتها على الأرض.
اضافت: "نحن كمجتمع لبناني او دولي، يهمنا ان تكون القضايا المرتبطة بالطفولة سرية وغير علنية على النحو الذي رأيناها مؤخرا، وصحيح ان الفتاة توفيت لكنها تموت في كل مرة يتم فيها تداول قصتها، لان شرف الفتيات ليس امرا مستباحاً".
لا مفر من العقاب
وأشارت كرم الى ان القانون 422 ينص على حماية الأطفال من كافة اشكال العنف والاعتداءات الجنسية، ويعمل على محاسبة الأطفال في حال ارتكبوا أي جريمة. ونحن كوزارة شؤون اجتماعية ومجلس طفولة، وضعنا ملاحظاتنا لتعديل هذا القانون وارسلناه الى النائبة عناية عز الدين كونها رئيسة اللجنة النيابية للمرأة والطفل، ليتناسب مع اتفاقية حقوق الطفل والواقع اللبناني.
واردفت: "بهذه الطريقة لا نحمي فقط الطفلة، بل أيضا جميع الأطفال المتواجدين على الأراضي اللبنانية، بغض النظر عن جنسياتهم او إذا كان لديهم هوية شخصية او مكتومي القيد".
وشددت على انه يتم محاسبة كل مقترف جريمة بشعة من هذا النوع من خلال قضاة احداث اشداء، يعملون على اصدار قرارات لحماية وصون الاطفال، مشيرة الى ان الاعداد هائلة في هذا السياق والعمل كبير.
لتغيير القانون
في سياق متصل، شرحت رئيسة "اتحاد حماية الاحداث" في لبنان السيدة اميرة سكر لـ "الديار" قائلة: "عادة الاتحاد والمندوبون الاجتماعيون يحضرون التحقيقات الأولية التي تجرى ضمن الضابطة العدلية في لبنان مع القاصرين من كافة الجنسيات، وهذا لحمايتهم الاجتماعية ومتابعتهم ودراسة الملف بشكل اجتماعي، سواء كان القاصر شاهدا على حدث او كان معتديا او معتدى عليه".
اضافت: "أما في ملف الطفلة ل.ط تحديدا لم نحضر لأنها وصلت الى المستشفى متوفاة، ما يعني اننا لم نتمكن من معرفة تداعيات كيفية حدوث القصة مع الفتاة"، مشيرة الى ان التحقيقات ما زالت مستمرة في هذه القضية، وكاتحاد نحن معنيون بما حدث مع الطفلة لأننا نعمل في الشأن الاجتماعي، ومولجون من قبل القضاء اللبناني لملاحقة هذه الأمور، ومتعاقدون مع وزارة العدل في كافة المناطق اللبنانية.
المادة 26
وسلطت سكر الضوء على المادة 26 من القانون 422 التي تنص على ان "للقاضي في أي من هذه الاحوال، أن يتخذ لصالح الحدث المذكور تدابير الحماية أو الحرية، المراقبة أو الإصلاح عند الاقتضاء". عندها يتدخل القاضي في هذه الأحوال بناء على شكوى الحدث، أو أحد والديه أو أوليائه أو أوصيائه، أو الأشخاص المسؤولين عنه أو المندوب الاجتماعي أو النيابة العامة أو بناء على إخبار. وعليه التدخل تلقائياً في الحالات التي تستدعي العجلة.
واكدت: "ان على النيابة العامة أو قاضي الأحداث أن يأمر بإجراء تحقيق اجتماعي وأن يستمع إلى الحدث ووالديه أو أحدهما أو الوصي الشرعي أو الأشخاص المسؤولين عنه، قبل اتخاذ أي تدبير بحقه ما لم يكن هناك عجلة في الأمر، فيكون ممكناً اتخاذ التدبير الملائم قبل استكمال الإجراءات السالف ذكرها. ويمكن الاستعانة بالضابطة العدلية لتقصي المعلومات في الموضوع".
اضافت: "لا يعتبر إفشاء لسر المهنة، ولا يقع تحت طائلة أحكام قانون العقوبات أي إخبار يقدم إلى المرجع الصالح ممن هو مطلع بحكم وضعه أو وظيفته أو فنه على ظروف الحدث المعرض للخطر في الأحوال المحددة في المادة 25 من هذا القانون".
الاغتصاب جناية
وتطرقت سكر الى قانون العقوبات لجهة تصعيد العقوبة لكل من يعتدي على طفل، سواء كان قاصرا ام لا. لافتة الى ان المادة 505 من قانون العقوبات المعدل تنص على ان "الشخص إذا اغتصب قاصرا، فان العقوبة تختلف بحسب عمر القاصر لان الاغتصاب هو جناية".
وطالبت سكر بضرورة تعديل القانون والتشدد بالعقوبات، وتساءلت: "ماذا يعني ان يكون العقاب كناية عن حكم بالأشغال الشاقة المؤقتة، وهل هذه العقوبة متوافرة وتطبق في السجون اللبنانية؟ وهل من المقبول او المعقول ان تتراوح مدة الحكم ما بين السنتين او الشهرين؟" مشددة على ضرورة تغيير القانون لعدم انصافه المجني عليها او عليه وإنزال اقصى الجزاء بالفاعل او المغتصب.