حافة الهاوية الحربية... وتدابير مغادرة الأراضي اللبنانية

برهة البحث عن سبيل للمغادرة لا بدّ منها الآن على جدول توصيات سفارات وبعثات ديبلوماسية أساسية لرعاياها على الأراضي اللبنانية. لم يسبق أن عرف لبنان منذ أن بدأت المناوشات القتالية المتلهّبة تنفث اللهيب الحربيّ على حدوده الجنوبية بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي، هذا الكمّ المتلاحق من التحذيرات الديبلوماسية التي حاولت أن تنذر الرعايا بضرورة المغادرة قبل أيّ انتشار خارج السيطرة للنار في هشيم مساحات الاحتدام وخارجها. عندما كانت الدول على تماس مراقب مع ما يحصل طيلة أشهر من القصف المتدرّج التفجّر، منها أطلقت توجيهاتها بحتمية توخّي مواطنيها الحذر أو أن يستقلّوا طائرة إقلاع من مدرج مطار بيروت، لكنّها ما لبثت أن ضغطت قبل أيام زرّ المؤشّر الأكثر صدوحاً بأنّ لحظة ترك الأراضي اللبنانية قد حانت. هل تنطوي هذه التدابير على خشية جديّة من اشتعال الحرب الشاملة؟ لا عجب في ترتيبات كهذه تدخل في إطار أعمال روتينية من واجب السفارات اتخاذها إن استدعت الحاجة حتى لو لم تكن برهة الاندلاع الحربيّ الأكبر قد تأكدت، فإذا بهذا المعطى التنظيميّ لأوضاع الرعايا يشكّل إجراءً كلاسيكيّاً لا بدّ منه بعد التشاور مع الإدارات الحكومية. ولا يغفل من يتابع التطورات على مستوى ديبلوماسيّ لبنانيّ إمكان أن تتوخى هذه التدابير هدف حضّ المكوّنات المتصارعة لإنهاء الاقتتال والضغط عليها لانتهاج حلّ ديبلوماسيّ، ويضاف إلى ذلك أجواء واكبتها "النهار" ووصلت إلى مرجعية لبنانية رسمية عن تخوّف دوليّ من تحوّلات حربية أكثر شراسة قد لا تحمد عقباها في الآتي من الأسابيع، ما يجعل مناداة سفارات الدول للرعايا بالخروج من لبنان مستندة إلى متغيّرات مرجّحة مرحلة حربية أكثر حدّة.

التوجّس من تحوّل حربي لا قدرة للسيطرة على نشوبه يشمل أيضاً المنحى الخاصّ بالديبلوماسية اللبنانية، وسط مخاوف جمّة من عدم استطاعة ضبط الأمور بعدما بات لبنان على حافة الهاوية أقلّه بالنسبة للوضع الحدوديّ في الجنوب اللبنانيّ ما يجعل البحث عن تخفيف الاحتدام المسعى الأكثر أهمية لرئاسة الحكومة اللبنانية رغم التقليل من فحوى إمكان الوصول إلى إنهاء للمناوشات الحربية حتى وإن انخفضت وتيرة المواجهات، لكنّها لن تغيّر في المواجهة الإقليمية حتى الوصول إلى مرحلة تنفيذ رصين للقرار الدولي 1701. وثمة من يحبّذ على مستوى رئاسة الحكومة اللبنانية أن يعرب عن قلقه إزاء ما تنحو إليه التحولات الحربية في المنطقة خصوصاً في ظلّ ما تقاسيه قرى لبنانية حدوديّة، لكن مع انطلاق الدولة اللبنانية من استفهامات مطروحة حول ما يمكن أن يحصل لاحقاً. وتيقّن مجلس الوزراء أنّ من قرّر البقاء في لبنان لا يزال داخل الأراضي اللبنانية، ومن فضّل المغادرة من اللبنانيين أو من الرعايا الأجانب رحل أو يتحضّر لذلك على أن يرجعوا حينما تستقرّ أحوال جغرافيا الجنوب اللبنانيّ. الأكيد لمن يتابع المرحلة حكومياً، أن الذروة لم تبدأ حتى الآن والأحوال مترابطة مع مستقبل قطاع غزة ومن يحكمها وكيفية إدارتها في ظلّ وجود أطراف لوّحوا بمقولة وحدة الساحات رغم نقطة الاستفهام الكبيرة حول مستقبل المنطقة.

من ناحية أمنيّة، من الضروريّ التحسّب لأي طارئ يمكن أن يشعل الجبهة الحربية الجنوبية اللبنانية كجزءٍ من عمل السفارات والبعثات الديبلوماسية التي لا يمكن أن تغيب عن الجهوزية الآخذة في الاعتبار الحذر حتى وإن تراكمت توجيهاتها وتلاحقت، لكن ذلك لن يفرغ لبنان من الرعايا الأجانب. ويقول مصدر أمنيّ لبنانيّ رسميّ إنّ السفارات الموجودة في لبنان كانت تطلق التحذيرات لمواطنيها منذ بدأت المناوشات الحربية في الجنوب اللبناني، لكن القلق وصل إلى ذروته في الأيام الماضية على أن يتضح مسار المواجهة الناشبة في الأسابيع الآتية، لكن ثمة طمأنة على النطاق الأمني اللبناني بأنّ الاستقرار الداخليّ لن يهتزّ مع القدرة على ضبط الأوضاع حيث لا تزال بعض المهرجانات على حالها ولن تتأثّر وسط وجود لبنانيين وافدين أو مقيمين قرّروا عدم المغادرة.

في استنتاج أمنيّ لبنانيّ، لا تغيّر في "الستاتيكو" اللبناني الحاليّ الذي يراوح مكانه بين قلق وانتظار فيما هناك من اعتاد المناوشات الحربية منذ أشهر. الجدير ذكره أن الإجراءات التي اتخذتها سفارات وبعثات ديبلوماسية موجودة على الأراضي اللبنانية تنوّعت بين حضّ رعاياها على المغادرة الفورية مع إمكان الحصول على المساندة في حال الحاجة أو التحضير للاحتماء في أماكنهم في حال اتخاذ قرار المكوث. وشملت تلك الترتيبات التحضيرية للمغادرة موظفين في سفارات. في غضون ذلك، اتخذت بعض شركات الطيران قراراً بعدم تنظيم رحلات إلى بيروت حالياً بسبب الوضع الأمني منها إلى أجل غير مسمّى حتى معرفة ما يمكن أن يتغيّر في الأيام اللاحقة.