حاكمية المركزي من المسيحية الى الشيعية...هذا معيار المسؤولية الطائفية والوطنية

خرج  رياض سلامة من مصرف لبنان بعد ثلاثة عقود امضاها حاكما فيه. بخروجه انتهت آخر رموز الحريرية السياسية التي انطلقت مع وصول الرئيس رفيق الحريري الى الحكم في بداية التسعينات، بعدما فضّل نجله الرئيس سعد الحريري منذ عام ونيّف النأي بنفسه عن السياسة وارباكاتها وزواريبها اللبنانية الضيقة.

اشكالية خلافة سلامة التي ملأت الدنيا وشغلت الارض طوال اشهر وجدت حلا سلساً، مع تسلم نائب سلامة الاول وسيم منصوري ادارة المصرف المركزي بشروطه، ولئن تبقى غير مضمونة النتائج مع سلطة سياسية لا يؤمن لها ولا ثقة بمواقفها وتعهداتها.

المنصب المسيحي في دولة الطوائف آل الى الشيعي لتعذر تعيين حاكم اصيل بفعل الشغور الرئاسي في المنصب المسيحي الاول ايضا، على امل الا ينسحب الامر على قيادة الجيش نهاية العام. وان كان البعض يقرأ في تسلم منصوري ضربة للمسيحيين الذين يفقدون مواقع مهمة في الدولة تباعاً، فالبعض الاخر لا يرى ذلك، بل خلافه، وتحديدا في منصب الحاكمية نسبة للحساسية التي تزنر الموقع هذا تحديدا، في لحظة الانهيار المالي والنقدي للدولة والمسؤولية المترتبة على من يشغله إن استمرت الاوضاع في التدحرج ولم تفض وساطات دول الخماسية الى حل يتيح انتخاب رئيس جمهورية في ايلول المقبل.

الخوف هذا عبر عنه سابقا نائب رئيس المجلس "الإسلامي الشيعي الأعلى" الشيخ علي الخطيب، حينما اعلن بالفم الملآن منذ نحو اسبوع "  انا ارفض ان يتولى نائب الحاكم الشيعي المسؤولية لانهم سيحملون الشيعة المسؤولية في استمرار الانهيار" ، ثم وبعد تسلم منصوري أطل الخطيب مجددا فقال " لا يجوز تحميل الشيعة أي تداعيات او انهيارات مالية او نقدية، لأن هذا ما نراه في القوى السياسية، للأسف في خطابها الفئوي والطائفي" .

لا تعكس مواقف الشيخ الخطيب هذه سوى الجزء من كل القلق الذي يعتري قيادات الطائفة جراء تبوؤ الرجل الشيعي الثاني في مصرف لبنان المنصب الاول بعد رحيل سلامة وهو الذي اعلن بالامس  استمرار العمل بالمنهجية نفسها التي اتبعها سلامة، بحسب ما تقول اوساط سياسية في المعارضة لـ"المركزية". ذلك ان التهم التي القيت على عاتق الحاكم طوال السنوات الاربع الاخيرة ستؤول الى منصوري عند اول استحقاق او خضة مالية في البلاد، الا اذا كان من وقف خلفها وتسبب بها طوال اعوام لم تعد له من مصلحة في افتعال ازمات من هذا النوع، وليس خافيا على أحد من هي الكارتيلات التي كانت تتلاعب بسعر النقد والى اي فئة سياسية تنتمي ، والا اذا انتفت مصلحة من يحرّك بعض المودعين لاستهداف المصارف ومن يرسل هؤلاء الى امام مصرف لبنان لافتعال اعمال شغب لا تعيد له فلسا واحدا من امواله، وهدف هؤلاء بات معروفا ومكشوفا، وليس سرا انه لضرب آخر معاقل الدولة الحصينة.

الاوساط اياها تردف، ان من يتعاطى بالمنطق الطائفي في الدولة لا بدّ ان يتحمل تبعات طائفيته، والا فليقدم ولاءه الوطني على ما عداه، سائلة " هل يُعقل ان يطل وزير تابع لحزب الله على اللبنانيين قائلا انه "قرر عدم السير بعقد تلزيم إنشاء المبنى الجديد للمسافرين في مطار بيروت الدولي، بناءً على طلب من حزب الله". هذا حرفيا ما قاله الوزير علي حمية في اذار الماضي حينما فضح امر "التلزيمة" غير القانونية في المطار فاضطر للتراجع عنها. هل هذا منطق وطني ام حزبي تسأل الأوساط؟ وهل مجلس الوزراء شركة خاصة يتقاسمها مساهمون ليأتمروا بأوامر مرجعياتهم ؟

حينما غاب الانتماء للوطن وتغلب عليه الانتماء الحزبي والطائفي سقطت الدولة ، وعندما يبدي الموظف في القطاع العام لبنانيته على شيعيته وسنيته ودرزيته ومسيحيته ،آنذاك  يتوقف تحميل المسؤوليات للطوائف ويبدأ مسار اعادة بناء الدولة. وحتى ذلك الحين سيبقى اللبنانيون في حال ترقب للمسار النقدي ولسعر الصرف وعمليات اقتحام المصارف...