حتى الدولارات الخمسة للأساتذة غير متوفرة.. وابتزاز المانحين متعذر

الحلول أمام وزير التربية عباس الحلبي ضيقة جداً. بالأموال المتوفرة أمامه عليه إما إرضاء الأساتذة حصراً من دون سائر الموظفين في الوزارة والمدارس والثانويات، أو التضحية بالعام الدراسي. فقد تبين أنه غير قادر على دفع حتى الدولارات الخمسة، التي أعلن عنها، وعاد وتراجع عنها تحت ضغط غضب الأساتذة. وعليه بات مصير العام الدراسي في خبر كان، إلا إذا تمكن الأساتذة من فرض وقائع على الأرض تلزم وزير المالية ورئيس الحكومة تخصيص بدل إنتاجية لهم مختلف عن سائر موظفي القطاع العام. غير ذلك بالإمكان القول إن التعليم الرسمي انتهى والعام الدراسي مثله أيضاً، على ما يقول أحد التربويين المطلعين على خبايا وزارة التربية.

وزارة بلا إدارة
ما تعيشه الوزارة من مشاكل على مستوى الإدارة يرتقي إلى حد الفضيحة، وفق مصادر في وزارة التربية. فهي تدار "بالصبحانية"، أي أنها أشبه بإدارة بلا مدير يعرف وزارته وكيفية إدارة الأزمة الحالية. وجل ما يستطيع فعله تصدير تعليمات للمديريات بتوجيه الإنذارات والتنبيهات وحسم رواتب الأساتذة.

ووفق المصادر المطلعة، تبين أن الوزارة غير قادرة على دفع الدولارات الخمسة، التي أعلن عنها الوزير سابقاً. ورغم ذلك سارع الحلبي إلى الإعلان عنها في المؤتمر الصحافي، وكانت النتيجة انفجار موجة غضب الأساتذة، تحت شعار "انتفاضة الكرامة". ويبدو أن روابط المعلمين كانت على علم بعدم وجود الأموال الموعودة، لكنها لم تتمكن من إقناع الوزير، لعدم الانجرار وراء هذا الأمر، الذي يعتبر فضحية، كما تقول المصادر.

الدولارات غير متوفرة
وفي التفاصيل، أبلغ مسؤول المشاريع الدولية في الوزارة بلال ناصر الوزيرَ بأنه لا يمكنه دفع تلك الدولارات. فناصر يشكل صلة الوصل بين البنك الدولي والوزارة، وهو الوحيد الذي يعلم بخبايا أموال البنك الدولي في الوزارة، مثله مثل رياض سلامة. وقال للوزير إنه "في حال قررت دفع الدولارات الخمسة، عليك إطفاء جميع مولدات الكهرباء في الوزارة. فالأموال المتوفرة من البنك الدولي تكاد لا تكفي لتشغيل الإدارة". وبالتالي، لا يمكن تخصيص أي جزء منها للحوافز. ورغم ذلك أصر الوزير على الدولارات الخمسة، بحضور المديرين. ثم انفجر غضب الأساتذة، وراح الجميع يتبرأ من هذه الطبخة المسمومة. وتوجهت السهام كلها إلى الوزير الحلبي.

الأساتذة حصراً
عملياً لا يمكن الحلبي التصرف إلا بنحو 15 مليون دولار، أو أكثر بقليل، لصرفها كحوافز، من أصل عشرين مليوناً مخصصة لصناديق المدارس. ووفق الحسابات التي أجريت، في حال قرر إرضاء جميع الأساتذة والموظفين، البالغ عددهم نحو 50 ألف شخص، لا يمكنه دفع أكثر من خمسين دولاراً شهرياً، على فترة خمسة أشهر. وقد أُقترح عليه تخصيص هذه الأموال للأساتذة حصراً، ليتمكن من مضاعفة قيمة الحوافز لهم. أي عدم منح الموظفين وعمال المكننة والنظافة وغيرهم حوافز بالدولار، بغية تمرير الفصل الثاني من العام الدراسي، لكن الاقتراح سقط. 

ابتزاز المانحين
في ظل عدم قدرة وزارة التربية على التصرف بأموال البنك الدولي إلا لتشغيل الإدارة، توجهت الأنظار إلى أموال الدول المانحة المخصصة لتعليم الطلاب السوريين. ويبدو أن الوزارة تريد التصرف بمبلغ 30 مليون دولار لتخصيصها كحوافز للأساتذة، من حصة تعليم الطلاب السوريين. وهذا ما دفع مدير عام التربية بالتكليف عماد الأشقر إلى ابتزاز اليونيسف، لتخصيص هذا المبلغ من حصة طلاب بعد الظهر لدفع الحوافز للأساتذة (انخفض التمويل لتعليم الطلاب السوريين من 106 ملايين إلى 62 مليوناً العام 2021، وتراجع حالياً جراء تراجع عدد الطلاب وحسم المبلغ المخصص للترميم المدارس).

في حال نجحت الوزارة بابتزاز اليونيسف، يمكنها دفع أكثر من مئة دولار شهرياً للأساتذة والموظفين. أما في حال فشلت، فيتعذر عليها التصرف إلا بالمبلغ المخصص لصناديق المدارس، أي عشرين مليون دولار، باتت جاهزة للصرف. لكن يجب دفع المصاريف التشغيلية للمدارس (تحديداً المازوت) وما يتبقى يصرف كحوافز، وهي لا تصل إلى خمسين دولاراً بالشهر.

وعليه يتعذر إرضاء الأساتذة بهذه المبالغ الضحلة، ما يعني استمرار الفوضى التربوية على ما هي عليه. وبالتالي، قد يعاد طرح فكرة التعليم لثلاثة أيام في الأسبوع. علماً أن هذا الطرح عُرض سابقاً كحل وسطي بين طرح حزب الله التعليم ليومين وقرار الوزارة التعليم لأربعة أيام في الأسبوع. وبالتالي سيواجه هذا المقترح برفض العديد من أعضاء رابطة التعليم الثانوي ولجان الأساتذة المتعاقدين، وكذلك من سائر الأساتذة في لبنان، تقول مصادر مطلعة. فمشكلة هذا الاقتراح أن الأساتذة يريدون العيش الكريم لا تقليص دوامات حضورهم إلى المدارس من ناحية، كما سيتعذر تعليم الطلاب بالحدود الدنيا المطلوبة، من الناحية الثانية.