حدود الشمال سائبة: انفلات التجارة بتهريب البشر براً وبحراً

كتبت جنى الدهيبي في المدن:

لم يطوِ رفع الدعم عن المحروقات صفحة التهريب غير الشرعي بين لبنان وسوريا. وكأن كل الإجراءات الرسمية لن تؤدي إلى إغلاق المنافذ والمعابر غير الشرعية، مقابل فتح المعابر الشرعية.
ويبدو أن هذا التهريب يرتبط أولًا بعدم الاستقرار الأمني في سوريا، وبتناقض وتضارب الاجراءات اللبنانية، ثانياً، في ظل تشريع الحدود للتفلت الأمني وغياب الرقابة عنها.

وفيما خفت وتيرة تهريب السلع، التي رُفع الدعم عنها جزئيًا أو كليًا، إلا أن تهريب الأفراد، من سوريا إلى لبنان، ينشط على نطاق واسع، وتحول إلى تجارة مربحة بالدولار، تستفيد منها بعض المجموعات والشبان في وادي خالد، وأضحت مهنة بعض العاطلين عن العمل.

الثمن بالدم
قبل أيام، أعلنت قيادة الجيش عن إحباط عملية تهريب أثناء محاولة عدد من المهربين إدخال مجموعة من السوريين إلى داخل الأراضي اللبنانية في بلدة المقيبلة في وادي خالد-عكار.

ومرّ الخبر بهدوء، رغم أن صدام الجيش مع المهرّبين أودى بحياة شخصين من آل شيحان. وحسب البيان عينه، تعرضت الدورية إلى إطلاق نار فردت بالمثل، ما أدى إلى إصابة المهربين، ثم فارقا الحياة، فيما فر السوريون وباقي المهربين باتجاه الأراضي السورية.

وحسب ما يفيد رئيس بلدية العماير في وادي خالد، أحمد الشيخ، فإن هذين القتيلين هما شقيقان، علاء وبشار الشيحان، ما دون الثلاثين عامًا، وقد منيت عائلتهما بصدمة كبيرة إثر مقتلهما، ويعتبرون أنهما ذهب ضحية رصاص موجه. لذا، زار ممثلون عن الجيش العائلة وقدموا التعازي بهما.

ينفي الشيخ لـ"المدن" وجود عمليات تهريب منظمة تديرها جهات لبنانية في وادي خالد، ويربط الأمر بإغلاق المعابر الشرعية من قبل السلطات السورية منذ انتشار كورونا، واضطرار بعض السوريين لدخول الأراضي اللبنانية خلسة، للعمل المؤقت أو الهرب الدائم.

وسارعت العائلة إلى نفي الروائية الأمنية، وأوضحت أن مقتل الشقيقين لم يتم أثناء ملاحقة مهربين. وحسب الشيخ، فإن مقتلهما وقع أثناء مداهمة مخابرات الجيش منزل، يوجد في داخله نساء وأطفال سوريون دخلوا بطريقة غير الشرعية، وكان الشقيقان معهم لوقت قصير. وأثناء محاولتهما الهروب، وهما لا يحملان السلاح، أطلقت العناصر النار باتجاههما، فأصيب واحدهما بالرأس والآخر بالظهر.

التجارة بمعاناة السوريين؟
غير أن مصادر عدة مواكبة في وادي خالد، تؤكد لـ"المدن" أن عمليات تهريب الأفراد من سوريا إلى لبنان تنشط على نطاق واسع منذ أشهر. ويكون التواصل بين السوريين الطالبين للهروب أثناء تواجدهم بالأراضي السورية عبر الهواتف والتطبيقات الالكترونية، وتتجاوز كلفة تهريب الفرد أحياناً 500 دولار أميركي، يبقى ليلة واحدة في وادي خالد، يتوارى في أحد منازلها، ثم ينتقل في اليوم التالي إلى المكان الذي يريده داخل لبنان.

وتعد منطقة المجدل من أكثر المناطق في وادي خالد التي تحصل فيها عمليات تهريب، لأنها محاذية للحدود السورية.

وواقع الحال، أضحت الأزمتان اللبنانية والسورية تجارةً مربحة لكثيرين. إذ تشير المعطيات أن بعض المهربين في وادي خالد، أثناء عمليات تهريب المحروقات والسلع الأساسية وكذلك تهريب الأفراد، حققوا أرباحاً بمئات آلاف الدولارات، وهم يستفيدون من الغياب شبه الكلي للدولة عند الحدود ومن انهيار الليرة.

وتعد وادي خالد من أكثر المناطق الحدودية التي يدفعها أهلها ثمن التفلت الأمني ونشاط التهريب مقابل حرمانهم التاريخي من حقوقهم في الخدمات العامة.

وما يفاقم مخاوف الأهالي، أن المهربين والعابثين بالأمن وفي مراحلة سابقة بعض الخلايا الارهابية، يحولونهم غالبًا إلى أدرعٍ بشرية للتواري عن الأنظار. وبوتيرة دائمة، تشهد بلدات وادي خالد ليلًا إشكالات بين مجموعات المهربين، تتطور أحيانا إلى التضارب، نظرا لتنافسهم على جذب الزبائن من سوريا ومضاربتهم بالأسعار!

عبر البحر أيضاً
وواقع الحال، لا تقل عمليات تهريب الأفراد برًا شأنًا عن اتساع نشاط عمليات التهريب عبر البحر، من لبنان إلى السواحل القبرصية واليونانية. وتضم "قوارب الموت" غالباً عائلات من الجنسية السورية، وخصوصا عند السواحل الشمالية.

وقبل أيام أيضًا، غادر مركب من شواطئ الميناء في طرابلس، وعلى متنه مجموعة من الهاربين اللبنانيين والسوريين، واستطاعوا اجتياز المياه الاقليمية اليونانية.

لكن اللافت، أن عمليات التهريب غير الشرعية التي تكبد طالبيها مئات الدولار، وهم يوفرونها بشتى السبل رغم فقر معظمهم، تطرح التساؤلات على آلية عمل المهربين أنفسهم. إذ يلحظ كثيرون تشددهم بسرية عملهم، وهم لا يتواصلون مع الهاربين مباشرة، بل عبر وسطاء.

وفي بلد بلغ ذروة الفوضى والتسيب والاضطراب الأمني والحصار الخارجي، يبدو أنه مقبل على مرحلة سيكون فيها الاتجار غير الشرعي، بالبشر والسلع، هو الأكثر رواجًا.