المصدر: اللواء
الكاتب: الياس فرحات
الاثنين 13 تشرين الثاني 2023 07:19:47
لم يعد هناك أدنى شك في أن هدف إسرائيل السياسي والعسكري هو القضاء على حركة حماس. الولايات المتحدة تدعم هذا الهدف بقوة وتقف ضد أي قرار لوقف إطلاق النار أو التوصل إلى هدنة إنسانية تشبه وقف إطلاق النار. وتتحدث دبلوماسيتها عن مصير غزة بعد هزيمة حماس وكأنها تؤكد أن لا توقف للقتال إلّا بعد هزيمة حماس، وتذهب إلى حد البحث بـ«اليوم التالي لإنتهاء حقبة حماس»، أي من يحكم غزة بعد حماس؟ السلطة الفلسطينية أم بعض الدول العربية أم يتم ارسال قوات دولية؟ لا ريب أن هناك صعوبة بالغة في تحقيق أي من هذه الحلول. تمضي إسرائيل في القصف الجوي يومياً ضد أهداف مدنية وتدّعي أنها تملك معلومات استخبارية عن وجود مراكز لحماس قرب بعض المستشفيات أو داخلها أو تحتها لا سيما مستشفى الشفاء في وسط مدينة غزة وأيضاً مستشفى القدس، وذلك في تمهيد إعلامي لقصف هذه المستشفيات وأهداف مدنية غيرها. على جبهة العملية البرية، إخترقت إسرائيل قطاع غزة من الأراضي السهلية الزراعية قرب بيت حانون وبيت لهيا شمال غزة وفي حي الزيتون حتى البحر جنوب غزة. تواجه القوات البرية الإسرائيلية، من دبابات وناقلات جند، مقاومة عنيفة من مقاتلي «كتائب القسّام» الذين أعلن الناطق باسمهم (أبو عبيدة) عن تدمير واعطاب ١٣٦ آلية فيما اعترف الناطق الإسرائيلي بمقتل ٣١ جندياً وجرح العشرات.
وبات من المتفق عليه لدى معظم المتابعين أن العملية البرية الإسرائيلية يُمكن أن تتعثر كلما اقتربت أكثر من المناطق المأهولة ديموغرفياً. إلى أين يمضي مسار هذه الحرب؟ أولاً؛ استمرار مقاومة «كتائب القسّام» للتوغلات العسكرية الإسرائيلية وإيقاع المزيد من الخسائر فيها وبالتالي إيلام الجيش والمجتمع في إسرائيل في حرب غير مسبوقة وطويلة أكثر مما اعتادوا عليه منذ نشأة هذا الكيان عام ١٩٤٨. ثانياً؛ إطالة أمد الحرب لأكثر من ستة أشهر وربما سنة في وقت يشكّل استدعاء ٣٦٠ ألف جندي احتياطي عبئاً على الموازنة ويتسبب بمشاكل كبيرة للشركات والمؤسسات التي التحق قسم من موظفيها وعمالها بالاحتياط. ما هو مصير هذه الشركات وهل تتمكن من الاستمرار وسط تدنّي الانتاج وتراجع قيمة عملة الشيكل وهبوط البورصة وكل مؤشرات الاقتصاد؟
ثالثاً؛ تراجع صدمة الحشد البحري الأميركي في البحر المتوسط والمؤلف من حاملتي الطائرات «جيرالد فورد» و«دوايت ايزنهاور» ومجموعات العمل البحرية التي ترافقهما في وقت اعتادت فيه حماس في غزة وحزب الله في لبنان على الاشتباك مع إسرائيل، من دون خشية من هذه الحشود التي تعزّزت مؤخراً بغواصة نووية من طراز «أوهايو» (السيد نصرالله توجه إلى الأميركيين في خطابه الأول قائلاً «أساطيلكم لن تخيفنا وقد أعددنا العدّة لها»). هل يكون مصير هذه الأساطيل مماثلاً للأساطيل التي احتشدت قبالة الساحل اللبناني من عام ١٩٨٢ إلى ١٩٨٤ قبل أن تنسحب مثخنة بالجراح والدماء ولم تنجح في حماية حلفائها في لبنان وتفادي مأساة التهجير؟ وهل يكون مصير إسرائيل مماثلاً لمصير حلفاء الولايات المتحدة عام ١٩٨٤؟ عندما وصل وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى إسرائيل رافقه وفد عسكري كبير غالب الظن أنه ما يزال يُرابط حتى الآن في الأركان العامة الإسرائيلية التي لم تستفق من صدمة ٧ تشرين الأول/أكتوبر إلّا بعد أيام. وقد أعلنت الولايات المتحدة عن تحليق طائرات أميركية مُسيّرة فوق غزة، وهذا يشير الى جمع معلومات استخبارية وتمريرها إلى الإسرائيليين لاستخدامها في عمليتهم البرية. رابعاً؛ في حال استمرت المجازر الإسرائيلية في غزة من دون رادع ولا مواقف حاسمة من الدول العربية والاسلامية التي اجتمعت في السعودية أمس الأول (السبت) وفي حال تزويد الولايات الاميركية إسرائيل بقنابل خارقة للتحصينات وتمكن إسرائيل من تدمير بعض الانفاق واقتحام مراكز حماس، كيف سيكون رد فعل حلفاء حماس وخصوصا حزب الله؟ أرسلت الولايات المتحدة، حسب ما سرّب حزب الله، سلسلة رسائل تحذير وتهديد سواء عبر وزير الخارجية أنتوني بلينكن أو السفيرة في بيروت دوروثي شيا أو الموفد آموس هوكشتاين، فضلاً عن مسؤولين آخرين. كيف سيتعامل حزب الله مع هذه الرسائل والتحذيرات وهو يدرك أنه سيؤكل بعد أن يؤكل الثور الأبيض؟ وفي حال بلغ الوضع حد تدخل حزب الله في لبنان وباقي قوى «المحور» في العراق وسوريا واليمن، هل تحارب إسرائيل على جبهتين في الجنوب والشمال معاً؟ وكيف سيكون شكل التدخل الأميركي وحجمه دفاعاً عن المواقع الأميركية التي تتعرض لهجمات في كل من سوريا والعراق وربما البحر الأحمر؟
في ظل التعنّت الأميركي برفض وقف إطلاق النار في غزة وتقديم دعم غير مشروط لإسرائيل (الرئيس جو بايدن قال إنه طلب من بنيامين نتنياهو هدنة وما زال ينتظر جوابه حتى الآن!) واستمرار الحرب من دون أفق للتهدئة، عندها تتحمل الولايات المتحدة تبعة احتمال حدوث مواجهة شاملة في المنطقة وما يتبعها من اغلاق لمضيقي هرمز وباب المندب وإحداث أضرار بالغة في الاقتصاد العالمي وربما الإنجرار نحو حرب عالمية. في ظل هذه المعطيات، بات علينا أن نتعامل بجدية مع إحتمال انزلاق حرب غزة إلى حرب إقليمية وربما عالمية. لم لا، وقد نشبت في تسعينات القرن الماضي حرب في البلقان وأفضت إلى تغييرات جيوسياسية ثم حرب الصومال والتدخل السوفياتي في أفغانستان ومع مطلع الألفية الثالثة حرب في أفغانستان والعراق ثم ليبيا وسوريا واليمن وأوكرانيا وأخيراً في السودان.. وها نحن نشهد المزيد من التوتر المتصاعد في بحر الصين الجنوبي.