حرب لبنان... "عض الأصابع" يشتدّ مع العدّ العكسي أميركياً

قبل 48 ساعة من الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، اشتدّ عصْفُ «حرب لبنان الثالثة» على وَهْجِ ترقُّبٍ وكأنه «على أحرّ من الجمر» لمرور 5 تشرين الثاني الأميركي لمحاولة تَلَمُّسِ المنحى الذي ستسلكه المواجهات متعددة الجبهة في المنطقة التي باتت برمّتها أسيرةَ ارتدادات «طوفان الأقصى» وتشظياته في أكثر من اتجاه.

ولم يَعُد انتظارُ مَن سيخرج فائزاً في السباق إلى البيت الأبيض، دونالد ترامب أو كامالا هاريس، مربوطاً بما إذا كان مازال ممكناً اجتراحُ حلٍّ لجبهة لبنان على متْن مهمة آموس هوكستين الذي بدا وكأنه «خرَجَ ولم يَعُد» في أعقاب زيارته لتل أبيب يوم الخميس، بل بكون النتائج ستشكل مؤشراً لفترة «تمديد الحرب» وإلى متى هي... باقية وتتمدّد.

ومع نعي رئيس البرلمان نبيه بري «المبادرة الأميركية الأخيرة لوقف النار» بعدما «رفض بنيامين نتنياهو خريطة الطريق اللبنانية التي توافقنا عليها مع هوكشتاين»، وتَمَتْرسُ رئيس الوزراء الإسرائيلي وراء معادلة «ليس بأرقام القرارات الدولية (1701 و1559) يعود الأمان لشمال إسرائيل بل بحفْظ الحقّ في أخْذ الأمور باليد للتصدي لأي تهديد وشيك أو لملامح تساهُل مع منْع إعادة تسليح حزب الله» وبآليةِ رقابةٍ للحدود البرية والبحرية وجواً عبر قوة دولية رديفة لـ«اليونيفيل»، يصبح كل الاهتمام اللبناني مُنْصَبّاً على التحرّي عن تداعياتِ فوز، هاريس أو ترامب، على سلوكيات تل أبيب وحساباتها الحربية.

وفي وقت يسود اقتناعٌ لدى أوساط مطلعة بأن الفارق المحتمل بين عودة جو بايدن على «هيئة» هاريس، أو ترامب بنسخةٍ غير بعيدة عن فترة رئاسته الأولى (2017 - 2021)، يتمثّل في:

- أنّ انتصار المرشحة الديمقراطية يمكن أن يجعل نتنياهو يختصر مهلة إطالة أمد الحرب إذ يُصبح إبقاؤها مستعرةً حتى يناير، موعد تسلُّم الرئيس منصبه، غير ذي جدوى وربما يجعله ذلك يسرّع وتيرةَ بلوغ حلّ بات إطارُه معروفاً، وفق ما عبّرتْ عنه مسودة الورقة الأميركية التي حملها هوكشتاين إلى إسرائيل والتي تحتاج تفاصيلها إلى «إعادة ضبْط» لبنود حساسة حاولتْ الدبلوماسية الأميركية «توزيع مَخاطرها» بهدف نزْع فتائل تفجير التفاهم، فعمدت إلى «زرع» النقاط التي يستحيل أن يقبل بها لبنان في الاتفاق الجانبي بين واشنطن وتل أبيب (خصوصاً ترك حرية الحركة لإسرائيل في التصدي لأي تهديدات أو خروق للاتفاق) وإبقاء طلعاتها الجوية لجمْع المعلومات في الأجواء اللبنانية.

وفي هذا، بدا وكأن واشنطن سعتْ لإرضاء إسرائيل في الملحق «الثنائي» ولعدم إغضاب «بلاد الأرز» في الاتفاقِ الشامل الذي لاحَ أنه مُناسِب في روحيّته لبيروت ولا سيما لجهة تكريس ما يشبه «مركزية» الرقابة على تنفيذ القرار 1701 (والحؤول دون معاودة تكوين حزب الله مخزونه العسكري) للجيش اللبناني، وللجنة الثلاثية (لبنان وإسرائيل والأمم المتحدة) مع انضمامِ الولايات المتحدة وفرنسا إليها.

- أما فوزُ ترامب، فيتم التعاطي معه على أنه قد يعزز احتمال مضيّ نتنياهو أكثر في الحرب ومحاولةِ فرْض وقائع أكثر إيلاماً في الميدان، بما في ذلك عبر توسيع دائرة التدمير الشامل، ريثما يحين موعد حفل التنصيب بعد نحو شهرين ونصف الشهر، فـ «يُهْدي» الرئيس الجمهورية ورقةَ الحلّ على طريقة «أول دخوله تسوية على طوله».

ومن هنا يتمّ التعاطي مع الإشارات التي صدرتْ من تل أبيب، أمس عن أن التوصل إلى اتفاق لوقف النار «أصبح قريباً» وأن إسرائيل «بانتظار تلقي الصيغة النهائية للاتفاق الذي يعمل عليه هوكشتاين» وأن التقدّمَ نحو الاتفاق «قد يتحقق قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية» رغم استمرار بعض الفجوات في المفاوضات، على أنه محاولةٌ، إما لـ «التغطية» على جولة تَوَحُّشٍ آتيةٍ ضدّ لبنان عبر إيحاء أنّ تل أبيب سهّلتْ التفاوض، وإما لإبقاء «خَيْطٍ رفيعٍ» مع إمكان اعتبار أن بلوغ حلّ، بحال فوز هاريس، قد يكون مناسباً دون الحاجةِ لمزيد من الانتظار، وسط الإعلان أن الجيش الإسرائيلي «يقترب من إنهاء المرحلة الأولى من عملياته البرية في جنوب لبنان، تماشياً مع ضرورات العملية»، وأنه «تم تسريح بعض أفراد قوات الجيش النظامية والاحتياطية، وهم بضعة آلاف من المقاتلين».

«ربْط بالنار»

وفي السياق عينه، استوقف الأوساط المطلعة تكثيف «حزب الله» عملياته النوعية ضد إسرائيل والضرب في عمقها، بالتوازي مع إعلان إيران «ان الإصبع بات على زناد» الردّ على ضربة تل أبيب الأخيرة عليها، وزيادة الهجمات بالمسيّرات من العراق على إسرائيل، معتبرةً أن هذا الأمر مرجّح أن يكون في إطار «ربْط بالنار» من محور الممانعة مع الانتخابات الأميركية وزيادة الضغط تحت عنوان أن أي تفكيرٍ من نتنياهو في الاستفادة من نتائج هذا السِباق للمضي أكثر في عملية الانهاك العسكري ستعني أن المنطقة برمّتها ستكون في فم البركان، وسط اقتناعٍ بأن ترامب، الذي تردّد أنه كان أوحى برغبته في أن يكون رئيس الوزراء «أنجز مهمته» قبل يناير لا يريد أن «يدشّن» ولايته بانفجار إقليمي كبير بين يديه، هو الذي بنى خطابه الانتخابي على أنه لو كان رئيساً لَما حصلت الحرب أصلاً والذي يفضّل سلاح العقوبات و«الحرب الناعمة».