حروب نتنياهو لم تجعل إسرائيل أكثر أماناً

مرّت سنة على هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الذي شنّته حركة "حماس" على غلاف غزة، وعلى الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع حتى الآن، من دون أن يظهر أي أفق للتوصل إلى وقف للنار، لا بل إن الحرب توسّعت إلى لبنان، وتهدّد بالانتقال أيضاً إلى إيران، عدا عن هجمات يشنّها الحوثيون من اليمن وفصائل عراقية بين الحين والآخر.   

نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البقاء في السلطة، وفي عدم دفع ثمن الفشل الاستخباراتي والعسكري في غلاف غزة في 7 تشرين الأول (اكتوبر)، ونحى باللائمة على الجنرالات ومجتمع الاستخبارات، وأعفى نفسه من تحمّل أي مسؤولية.    
وتمكّن أيضاً من تجاوز الضغوط الهائلة التي مارسها أهالي وأقارب الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم "حماس" في غزة. وقاوم دعوات صدرت عن وزير الدفاع يوآف غالانت وعن جنرالات إسرائيليين وتقويمات استخباراتية إسرائيلية وأميركية، تعتبر أن العمليات العسكرية ضدّ "حماس" حقّقت أهدافها، وأن الحركة لم تعد تشكّل تهديداً عسكرياً على إسرائيل، ويجب الذهاب إلى صفقة لوقف النار تؤمّن إطلاق ما تبقّى من رهائن لدى الحركة، ثم الانتقال إلى البحث في مستقبل القطاع.   

كل ذلك رفضه نتنياهو، وتمسك بما سمّاه "النصر المطلق". ونظر إلى العسكريين نظرة استعلاء، معتبراً أنهم سبب الفشل في هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر). وهذا أحد الأسباب التي جعلته لا يعير آراءهم كبير اهتمام، بخلاف ما هو سائد في إسرائيل منذ تأسيسها، وهي أن المستوى السياسي يخضع في العادة للتوصيات التي يقدّمها الجيش. من نتائج هذه الحرب أن نتنياهو غيّر هذه المعادلة، وجعل كلمته هي العليا في الدولة. 

أبرز مثال على ذلك كيف أنه خالف وجهة النظر العسكرية التي كانت تعتبر أن في الإمكان الانسحاب، ولو موقتاً، من محور فيلادلفيا بين غزة ومصر، تسهيلاً للتوصل إلى اتفاق لوقف النار. وبذلك، جعل البقاء في محور فيلادلفيا أولوية على إطلاق الرهائن. وشيئاً فشيئاً، استطاع نتنياهو - لأسباب تتعلق ببقائه السياسي كي لا يواجه المحاسبة عن الإخفاق - أن يُنسي المجتمع الإسرائيلي قضية الرهائن لدى "حماس"، بحيث تلاشت ضغوط أقاربهم والقوى التي ساندتهم في الماضي.   

من غزة، انتقل نتنياهو إلى لبنان ليخوض الحرب الإقليمية على موقع إسرائيل الاستراتيجي في المنطقة. واتكأ على المكاسب التي حققها في المواجهة الاستخباراتية والتكنولوجية مع "حزب الله"، وصولاً إلى اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصرالله وقادة كبار، بعد أن وجّه ضربة قوية لآلاف العناصر بتفجير أجهزة "البيجرز" واللاسلكي، ما جعله يشعر بأنه مهّد الأرضية كي يوجّه ضربة قاضية للنظام الإيراني، وخرج قبل أيام ليوجّه خطاباً مباشراً إلى الإيرانيين، يحرّضهم فيه على النظام.   

وعلى الرغم من أنه لا يحظى بشعبية كبيرة خارج قاعدته اليمينية، فقد كشف استطلاع للرأي أجرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، أن حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، والذي يعتقد الكثيرون أنه لن يتمكن شخصياً من النجاة من تداعيات  مفاجأة 7 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، سيفوز بأكبر عدد من المقاعد إذا تمّت الدعوة للانتخابات الآن. إلّا أن فرحة نتنياهو لم تكتمل بهذا الاستطلاع، لأن التقدّم المُشار إليه أتى على حساب شركائه في الائتلاف الحكومي، ولا سيما حزبي "القوة اليهودية" برئاسة وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، و"الصهيونية الدينية" برئاسة وزير المال بتسلئيل سموتريتش، في حين جمعت أحزاب المعارضة، وفق ما دلّ الاستطلاع، عدداً أكبر من المقاعد مما جمعه الائتلاف الحاكم. ولذا، سارع نتنياهو إلى تدعيم حكومته بخصمه السابق في الليكود جدعون ساعر.   

ربما حقق نتنياهو إنجازات تكتيكية في سنة من الحرب ضدّ "المحور" الذي تقوده إيران، لكن إسرائيل لم تستطع حتى الآن تحويل ذلك إلى انتصارات استراتيجية، تجعل إسرائيل أكثر أماناً.