المصدر: النهار
الكاتب: سابين عويس
الاثنين 9 كانون الاول 2024 07:40:35
بقطع النظر عمّا سيؤول إليه مصير الرئيس السوري "السابق" بشار الأسد بعد سقوط نظامه في أيدي الفصائل السورية المعارضة، فإن لبنان ينظر بقلق إلى ما سيحمله تغيّر ميزان القوى في سوريا على ساحته، ولا سيما أن الجبهات السورية تفجرت غداة الإقفال القسري لجبهة الإسناد لحرب غزة من الجنوب اللبناني، بعد إقرار "حزب الله" باتفاق وقف النار مع إسرائيل.
وجاء تسارع التطوّرات العسكرية في شكل غير مسبوق وغير متوقع ليلقي بظلاله، تماماً كما حصل في لبنان، على القدرات العسكرية لمحور الممانعة التي سقطت، طارحة أكثر من علامة استفهام حيال المشهد الذي سيرتسم في الأيام القليلة المقبلة، باعتبار أن حسم المواجهات بين الجيش السوري والفصائل منذ بدأت، حصل بسرعة مفاجئة، عاكساً ملامح المشروع الشرق أوسطي الذي بدأ يرتسم من لبنان إلى سوريا.
وهو ما يدعو إلى التساؤل كيف سيتلقف الداخل اللبناني هذه المتغيّرات المتسارعة، وأيّ انعكاسات ستكون لها على ميزان القوى المحلي الذي خضع لعقود للنفوذ السوري بداية ثم الإيراني.
التفاوت واضح في مقاربة القوى السياسية في لبنان للمشهد السوري، بين القوى الممانعة التي تدور في الفلك السوري-الإيراني والمسيطرة على مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية في البلد، وبين قوى المعارضة، التي بالرغم من تفككها، تلتقي على رفض الوصايتين السورية والإيرانية.
أول من عبّر عن موقف هذا الطرف، الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي غرّد قائلاً إن "معالم الحرّية بدأت أخيراً تظهر في البلاد بعد انتظار طويل". وفيما يشهد لبنان حالاً من الترقب والرصد للتطورات الميدانية، يبرز القلق حيال ما ستؤول إليه النتائج لجهة تأثيرها على الداخل اللبناني، وسط المخاوف من أن تتمدد حركة الفصائل إلى ما بعد الحدود السورية اللبنانية وتصل إلى الأراضي اللبنانية، مع ما قد يرتبه هذا الدخول على الوضع الأمني، علماً بأن الجيش بادر إلى اتخاذ احتياطاته لهذا الاحتمال عبر نشر وحداته على أبرز النقاط الحدودية المعرّضة للاختراق.
وفي انتظار بلورة المشروع الأكبر الذي يقف وراء التطورات السورية، والنهايات التي سيؤول إليها، فإن حسابات الربح والخسارة لا تلعب لمصلحة "حزب الله" الذي قدّم نفسه، منذ دخل المعترك السوري، لاعباً إقليمياً، بل يمكن اعتباره الخاسر الأكبر تحت وطأة مجموعة من العوامل المؤثرة سلباً عليه وعلى قدرته على الاستمرار في الاضطلاع بالدور نفسه والنفوذ نفسه. فالحزب الذي تلقى ضربات إسرائيلية شديدة أنهكته قيادياً وعسكرياً واقتصادياً وبنى تحتية، بات مهدّداً بقطع أوصاله مع المورد الاساسي له، أي إيران، مع قطع طريقه الاستراتيجي للإمدادات العسكرية براً. وبناءً على ذلك، لا بد من أن ينعكس سقوط الأسد تراجعاً كبيراً في نفوذ الحزب الذي كان الحليف الأقوى للأسد، ويعتمد على دعم إيران عبر سوريا، وبالتالي سيؤدي إلى إضعافه سياسياً وعسكرياً في لبنان، ما يمكن أن يفضي إلى كسر القبضة الأمنية التي فرضها على البلاد.
وتقلص نفوذ الحزب سيشير إلى تقلص النفوذ الإيراني، بحيث ستفقد طهران أبرز أذرعتها العسكرية (الحزب) والسياسية (الأسد) في المنطقة. وهذا سينعكس على المشهد السياسي اللبناني الذي سيعيد تشكيل توازناته.
بتنفيذ القرار ١٧٠١، يعود "حزب الله" إلى الداخل حزباً سياسياً، وبسقوط الأسد، تنتهي آخر حلقات الوصاية والهيمنة السورية التي بدأت أولى محطاتها بانسحاب الجيش السوري بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقد تُستكمل بإقفال ملف النازحين مع توقع عودة هؤلاء إلى بلدهم، بعدما أقفل أيضاً ملفّ الأسرى والمفقودين.
تتعامل مراجع سياسية بتحفظ وواقعية مع سقوط نظام الأسد الذي سيحمل ربما فرصة للبنان لاستعادة سيادته، لكنه لن يخلو في المقابل من تحديات ومخاطر حصول تفلت واضطرابات أمنية، إن لم تبادر القوى السياسية بكل أطيافها إلى إعادة تكوين السلطة وفق التوازنات الجديدة والإمساك بالقرار السياسي والأمني في البلاد.