"حزب الله" يَترك الدولة اللبنانية... "منزوعة السلاح" الدبلوماسي!

تحت سقف قرارِ «تكثيف الهجمات على لبنان وتعزيز بنك الأهداف» للمجلس الوزاري الإسرائيلي الأمني المصغّر، «انفلشتْ» الاعتداءاتُ الجوية جنوباً وبقاعاً السبت، على وقع ظهورِ مصر «على الخط» مع بيروت بعيد تَسَلُّم القاهرة ردّ «بلاد الأرز» على مبادرتها لخَفْضِ التصعيد وإيجاد إطارٍ عمليّ لمعالجة مسألة سَحْبِ سلاح «حزب الله» للحيلولة دون «الانفجارِ الكبير» الذي يُخشى منه.

ورَسَّخَتْ الغاراتُ التي أدّتْ نهاراً إلى سقوط 3 ضحايا، اثنان منهما (شقيقان) باستهداف سيارتهما في راشيا الوادي (البقاع الشرقي) والثالث في برعشيت الجنوبية، إلى جانب جرْح 11 آخَرين 7 منهم أصيبوا بالاعتداء الذي وقع قرب مستشفى صلاح غندور في مدينة بنت جبيل، الارتقاءَ المتدحْرج الذي أطلقتْه تل أبيب في عملياتها التي لم تتوقف منذ إعلان وقف النار في 27 نوفمبر 2024 ولكنها باتت تَجْري في الأسابيع الأخيرةِ على «مسرح عملياتٍ» يشكّل امتداداً لـ «الساحة الأم» التي اشتعلتْ «باسم إسنادها» جبهةُ لبنان أي غزة التي انتقلتْ قبل أقلّ من شهرٍ إلى ضفةِ سلامٍ يُراد تثبيتُه كي «يفيضَ» على المنطقة. 

وفي الوقت الذي لم يَعُدْ خافياً أن تل أبيب ومن خَلْفِها واشنطن، تَضغطان في اتجاهيْن متوازييْن على لبنان الرسمي، لإنجاز سَحْبِ سلاح «حزب الله» وإطلاقِ تَفاوُضٍ مباشرٍ مع إسرائيل لاستيلاد تسوية مستدامة، فإنّ التعقيدات والتشابكات و«القنابل الدخانية» التي تُرمى وتَحوط بهذين المسارين تكاد أن تَحجب ما يُعتقد أنه «ثوابت» تَحْكمهما وتحدّد بطبيعة الحال مآلاتهما وربما «اتجاهات الريح» الآتية وما قد تحمله على «بلاد الأرز».

«التفاوض والسلاح»

وبحسب أوساط سياسية، فإنّ ثمة جانبين تقني وسياسي، يتحكّمان بالجوانب الأساسية من قضية «التفاوض والسلاح»، وهما:

- في الشقّ التقني، فإنّ أيّ مفاوضات، ومهما كان شَكلها، ستكون بالنسبة لإسرائيل «على السلاح» واليوم التالي لسحْبه، ليبقى محلّ عدم وضوحٍ، هو هل يَفرض ما ظهّرته صحيفة «جيروزاليم بوست» باعتبارها أنه «ينبغي استبعاد الآمال في أن تتمكن الحكومة اللبنانية من إضعاف الحزب في إطار تأكيد سيادتها، ولا يوجد شريك لبناني لهذه المهمة» أن تتولّى تل أبيب «بيدها» معاودةِ «تقزيم» حجم الحزب أقله للمستوى الذي كان عليه عشية اتفاق 27 نوفمبر قبل الجلوس إلى أيّ طاولةٍ، أم أن التفاوضَ كافٍ لتحقيق هذا الهدف تحت ضغط نارٍ، تكون أكثر من تصعيد موْضعي وأقل من حرب شاملة، وقد تشكّل «زنار ضغط» على لبنان الرسمي.

- وفي الشقّ السياسي، فإن من التبسيط اعتقاد أن عنواناً «مِن وزن» سلاح «حزب الله»، الذي يُعتبر من «الاحتياط الإستراتيجي» لإيران وخطّ الدفاع «الأخير» عن «رأسها»، يمكن أن يُبتّ ضمن إطار تَفاوُضي يتولاه لبنان الرسمي، وسط اعتبارِ الأوساط أن طهران لا يمكن أن تسلّم بأقلّ من أن تكون على الطرف الآخَر من «الخطّ» الذي ترى أنه «موصول» وعلى الموجة نفسها مع «ملفّها» العالق على «خيط رفيع» بين مفاوضاتٍ تتلمّس طريقاً شائكاً لاستعادتها مع الغرب وواشنطن خصوصاً وبين مَخاطر إحياء إسرائيل إستراتيجية «قطع رأس الأخطبوط» التي شكّلت حرب الـ 12 يوماً «بروفة» لها.

ووفق الأوساط نفسها، هنا «مربط الخيل» في الكتاب الذي وجّهه «حزب الله» الخميس إلى رؤساء الجمهورية جوزاف عون، والبرلمان نبيه بري، والحكومة نواف سلام، والذي رفع فيه «بطاقة حمراء» بوجه أي تفاوض مباشر أو «سياسي»، والأهمّ أنه كَرَّسَ فيه اعتبار القرار اللبناني الرسمي بحصر سلاحه بأنه «خطيئة» متمسكاً بإطارٍ داخلي «جرّار» لبته، أي ضمن حوارٍ محلي حول إستراتيجية دفاعية وبعد أن تكون إسرائيل نفّذت كل موجباتها من اتفاق وقف النار، وفق تفسير الحزب له، أي الذي لا يشتمل على تسليم سلاحه شمال الليطاني، لجهة وقف الاعتداءات والانسحاب من النقاط التي تحتلها جنوباً وإطلاق الأسرى.

وترى هذه الأوساط أن هذا الكتاب يَعْني واقعياً، من جهةٍ تعزيز «سردية» إسرائيل التي تتوثّب لتنفيذ مهمة تفكيك ترسانة حزب الله أو إضعافها لأقصى حدّ ممكن، في الطريق للمفاوضات التي لا مفرّ منها، كما تجعل لبنان الرسمي من جهة ثانية «منزوع السلاح» الديبلوماسي في أي تفاوضٍ بحال انطلق «تحت النار المضبوطة» ولن يكون إلا حول سلاح الحزب، باعتبار أن الخارج يعرف تماماً أن السلطات اللبنانية ليست قادرة ولا راغبة في نزع السلاح بالقوة.

«الانتفاضة الناعمة»

كما أن «الرسالة» الأبرز بين سطور «الانتفاضة الناعمة» للحزب على خيار التفاوض وتثبيت الـ «لا» الحاسمة لسَحْبِ السلاح، تتمثّل - وبمعزل عن المناخات عن توزيع أدوار بينه وبين الدولة بما يقوّي موقعها التفاوضي ويسهّل على بيروت احتواء الضغوط بحجة «راعوا وضعنا الداخلي» – في أن إفراغَ جيوب لبنان الرسمي من الورقة الوحيدة على الطاولة، أي «التحكّم والسيطرة» على سلاحه، هي عملياً بمثابةِ استدراج لإخراج إيران من على مقاعد «المتفرّجين» على أذرعها «تحترق» الواحد تلو الآخَر، وتحويلها شريكاً في أي بحث بمستقبلِ تنظيمٍ كانت فاخرت بأنه أعاد لها أمجاداً، ويُراد أن يُبت في لحظةٍ جيو - سياسية عنوانها منطقةٌ «على أنقاض» نفوذ طهران «خارج إيران» الحالية أو إيران... جديدة.

مبادرة مصرية

وعلى هذه اللوحة الشديدة التعقيد، تدور وقائع الميدان المتوهِّج كما المحاولاتُ الدبلوماسية الرامية إلى فتْح كوةٍ في جدار مسار التسوية الشاقة، وأبرزها التي تقودها مصر التي أفيد أنها تسلّمت في الساعات الماضية ردّ لبنان على المبادرةِ التي كان حَمَلَها إليه مدير المخابرات اللواء حسن رشاد أخيراً.

ولم يكن عابراً في سياق متصل تطوران:

- الأول الاتصال الذي أُعلن عنه بين سلام ووزير خارجية مصر بدر عبدالعاطي وتخلله بحث «تطوّرات الأوضاع في جنوب لبنان والجهود الجارية لخفض التصعيد وتحقيق التهدئة».

- والثاني نقل «وكالة إرنا للأنباء» الإيرانية الرسمية تقريراً عن صحيفة «الأخبار» اللبنانية حول أن مصر قرّرت مواصلة مساعيها في ما خصّ ملف لبنان.

ونقلت الصحيفة أن القاهرة «تتفهّم المواقف الاعتراضية التي أبداها«حزب الله»على المبادرة التي طرحها مدير المخابرات العامة وأنها تبقى في إطار ما يمكن تفهّمه من رغبة الحزب في تحقيق مصالح الشعب اللبناني وليس كما تحاول بعض الأطراف تصوير الأمر باعتباره سعياً واستجابة لضغوط أو طلبات إيرانية».

وبحسب التقرير نفسه فإن القاهرة تَعتبر «أن مسألة حصرية السلاح في يد الجيش، تحتاج إلى وقت أطول من المتوقّع من قبل الجهات الأخرى»، و«أن ما يمكن إنجازه في الوقت الحالي مرتبط بحصر سلاح في منطقة جنوب نهر الليطاني، وفي المخيمات الفلسطينية، وإخضاع السلاح لسلطة الدولة اللبنانية، بما سيضمن منع أي خروق محتملة».

وتحدّث المسؤول عن الاتفاق المُقترَح لجهة أنه «يتضمّن وقفاً شاملاً للأعمال العدوانية بشكل واقعي، وأن مصر تراهن على دور أكبر تلعبه واشنطن في الضغط على إسرائيل، كون الدور الأميركي يشكّل عاملاً حاسماً في الوصول إلى هذه التسوية».

وكان نائب رئيس الحكومة اللبنانية طارق متري قال في حديث لتلفزيون LBCI «وصلتنا مِن قَبل رسائل غير مباشرة تفيد بأنّ إسرائيل ترغب بالتواصل على المستوى السياسي، لكن قيل لها إنّ التفاوض يتم على مستوى الاتفاق لا على مستوى السياسة».

وأضاف «الدبلوماسيون الغربيون يشجّعون اليوم على التفاوض وقد اقترح بعضهم ضمّ مدنيين إلى جانب العسكريين في الوفد المفاوض، إلا أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري شدّد على عدم الحاجة لإنشاء كيان جديد للتفاوض فهناك لجنة الميكانيزم (الخماسية للإشراف على تنفيذ اتفاق 27 نوفمبر)».

وأكد متري «نحن بحاجة إلى المبادرة المصرية لأنها مفيدة للبنان، فمصر تعرف وضع لبنان جيداً وتخوض حواراً مستمراً مع إسرائيل حوله ولديها خبرة في التفاوض ما يجعل الاستعانة بها لمصلحة لبنان».

السفارة الأميركية: لا يمكن السّماح لإيران و«حزب الله» بإبقاء لبنان رهينة

استوقف دوائر مراقبة، البيان الشديد اللهجة الذي صدر عن السفارة الأميركيّة في بيروت تعليقاً على العقوبات التي فرضتْها واشنطن على «عناصر ماليّين يقومون بتحويل عشرات ملايين الدّولارات من إيران إلى «حزب الله»، مؤكّداً أنّ الخطوة تستهدف شبكاتٍ تسهّل تمويل التنظيم.

وأوضحت السفارة في بيان اعتُبر إشارة إلى أن واشنطن ليست في وارد «تدوير الزوايا» في موضوع سحب السلاح، أنّ هؤلاء الأفراد يتعاونون مع رجال أعمالٍ وشركات صرافةٍ لتمكين تحويلاتٍ ماليّةٍ كبيرةٍ من إيران، وينخرطون في تعاملاتٍ تجاريّةٍ سرّيّةٍ تموّل أنشطة «حزب الله».

وأضاف البيان هذه الخطوة تأتي دعماً لنهج الإدارة الشّامل الذي يتبعه الرئيس دونالد ترامب، في ممارسة الضّغط الأقصى على إيران ووكلائها الإرهابيّين مثل «حزب الله»، وذلك كما بيّنته «مذكّرة الأمن القوميّ الرّئاسيّة الرقم 2 في 4 فبراير».

وأكّدت السفارة «التزام الولايات المتّحدة بدعم لبنان عبر كشف وتعطيل تمويل إيران السّرّي لحزب الله»، مشدّدةً على «أنّ إيران، بتمكينها للحزب، تقيّد تَقَدُّم لبنان وتقوّض سيادته. ولا يمكن السّماح لإيران و «حزب الله» بإبقاء لبنان رهينةً بعد الآن».

وختم البيان بالتشديد على أنّ الولايات المتّحدة «ستواصل استخدام كلّ الأدوات المتاحة لديها لضمان ألّا يشكّل هذا التنظيم الإرهابي بعد الآن تهديداً للشّعب اللّبنانيّ، أو للمنطقة الأوسع».