المصدر: الراي الكويتية
الأحد 7 أيلول 2025 23:53:29
بين التريُّث الأميركي المشوبِ بإشاراتٍ إيجابية تَنتظر «المزيدَ من التفاصيل»، وإعلان الرئيس دونالد ترامب أنه سيرد لاحقاً على رفض «حزب الله» تسليم السلاح، وبين الترحيب الفرنسي الصريح، و«التدريب التذكيري» الذي أعلنتْ عنه اسرائيل وحاكى قتالاً في «قطاع لبنان»، بدا تبنّي حكومة الرئيس نواف سلام خطةَ الجيش التطبيقية لقرار حَصْرِ السلاح بيد الدولة وكأنه أتاح ما يُشْبِهُ «الهبوطَ الناعمَ» لملف الترسانة العسكرية لـ «حزب الله» عبر جدْولةٍ «بالمفرّق» حُدِّد زمانُ مرحلتها الأولى فقط، من دون أن يكون مُمْكِناً تَلَمُّس هل تعتبر تل ابيب ذلك كافياً لتمديدِ «فترة السماح» لبيروت أو ملاقاتها بخطوةٍ ما تُسَهِّلُ معاودةَ تفعيل ورقة الموفد الأميركي توماس براك بكلّيتها وأهدافها النهائية.
وفي وقت كانت «رادارات» بيروت ترصد الوقْعَ الخارجي للصيغة التي اعتَمد من خلالها مجلس الوزراء خطةَ الجيش في امتدادٍ لمقررات جلسة 5 أغسطس التي أقرّتْ حَصْرَ السلاح وكإطار تنفيذي لها، وجّه «حزب الله» رسائلَ «تطويقيةً» مبكّرة عكستْ استراتيجيةً تقوم على «قَضْمِ» المزيد من الوقت ومحاولة جرِّ الحكومة إلى مسارِ «الخطوة تلو الخطوة» إلى الوراء، بعدما تَعاطى مع إحياء مسألة بَحْثِ «استراتيجية الأمن الوطني» ضمن إطارٍ مُلازِم لبتّ قضية ترسانته على أنه تَراجُعٌ أمام تلويح الثنائي الشيعي بالاستقالة من الحكومة، وما يترتب على ذلك في السياسة والأمن، بحال سارتْ بجدولٍ زمني لنزْع السلاح.
ففي حين كانت ترتسم مؤشراتٌ إلى أن لبنان الرسمي سيحاول خلال الأشهر الثلاثة المقبلة المخصَّصة لإكمال الجيش مهمة سحب السلاح من جنوب الليطاني، استدراجَ التزامٍ اسرائيلي ما، عبر واشنطن، بمندرجات اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) وورقة براك بما يساعد على إكمال المَراحل الأربعة اللاحقة من الخطة وتسريعها بالتوازي مع السعي لإطلاق البحث في «استراتيجية الأمن الوطني»، عاجَل نائب «حزب الله» حسن عزالدين لبنان الرسمي بمعاودة إحياء «أولوياته» الناسفة لمبدأ «الخطوة مقابل خطوة» الذي كرّستْه الحكومةُ ناظماً لورقة براك ومَسارِها والتي اعتَبر تحقيقَها على طريقة «الخطوات معاً» مدخلاً شرْطياً يَسبق أي كلامٍ في الاستراتيجية الدفاعية.
فعزالدين، الذي عاود التذكير بأن قرار حصر السلاح في أصله «غير ميثاقي ومخالف لاتفاق الطائف ولروحيته لأنه حصل نتيجة للضغوط الأميركية والصهيونية التي مورست على الحكومة، ودفعتها للاستجابة له»، اعتبر أن «هذه الحكومة قلبت الأولويات التي فيها مصلحة للبنان، فقد اتفقت الرئاسات الثلاث على مجموعة من الأولويات اللبنانية تتضمن وقفاً للنار من العدو وانسحابه من أراضينا المحتلة وإطلاق الأسرى والشروع بإعادة الإعمار، لكنهم عادوا ليتحدثوا الآن بعد الجلسة الحكومية الأخيرة كما ورد في بيانها بأنهم يريدون الوصول إلى إستراتيجية دفاعية وإستراتيجية أمن وطني قبل تحقيق الأولويات الوطنية التي ذكرتُ، فهل يبقى مفيداً ومجدياً هذا البحث مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي جاثماً فوق أرضنا؟»
وأضاف «نؤكد وجوب إخراج العدو من أرضنا ووقف اعتداءاته وتحرير أسرانا والبدء بعملية الإعمار، وبعدها نجلس ونضع خطة الاستراتيجية الدفاعية واستراتيجية الأمن الوطني، وتتحقّق حصرية السلاح».
وربطت أوساطٌ مطلعة في بيروت هذا الكلام بمناخاتٍ تسود في الكواليس ومفادها بأن «حزب الله» يسعى إلى كسب الوقت عبر المزيد من المناورات والمماطلة اعتقاداً منه أن تمرير الفترة الفاصلة عن الانتخابات النيابية المقبلة (بعد نحو 7 أشهر) قد يحسّن موقعه إذ تتحوّل الحكومة بعدها لتصريف الأعمال ويتفرْمل مسار حصر السلاح برمّته ويخضع تشكيل أي حكومة جديدة لمعايير مختلفة تتمحور حول هذا العنوان.
كما عبّرت هذه الأوساط عن مخاوف من أن ترتدّ على لبنان ملامح «تحدي» النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة عبر المحور الثلاثي، الروسي الصيني الكوري الشمالي، الذي ظهرتْ إيران جزءاً منه في بكين، وما يعنيه ذلك من منْح طهران أدواتِ صمود إضافية بوجه التهديدات الإسرائيلية وربما تعزيز قدراتها في إطار التصدي للولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة، مع ما قد يحدثه ذلك من إرباكاتٍ في الوضع اللبناني الذي يتحرّك أساساً على «رقعة شطرنج» إقليمية زاد من تعقيدها أنها تتمدّد وتتشابك على المستوى الدولي الأعمق.
أورتاغوس وكوبر
وعلى هذا المسرح السياسي الشائك، جاءت زيارة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس لبيروت، مواكبةً لمحطة قائد القيادة المركزية الأميركية الأميرال براد كوبر في لبنان حيث حضرا اجتماع لجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف النار في الناقورة قبل أن يقوما بجولة جوية جنوب الليطاني وتحديداً فوق المنطقة الحدودية بين القطاعين الأوسط والغربي على متن طوافة عسكرية للجيش اللبناني.
وأشارت معلومات إلى أن كوبر الذي وصل الى بيروت السبت بات ليلته في قبرص حيث عقد اجتماعاتٍ، وسط تقارير عن أنه ربما عرّج أيضاً على اسرائيل، وأن زيارته وأورتاغوس للبنان هي للاطلاع على خطة الجيش وتفاصيلها وتفعيل دور الـmechanism لمراقبة الخروق لاتفاق 27 نوفمبر بعد فترة من البطء.
تصور متكامل للمرحلة الأولى
وإذ تقاطعتْ المعطيات عند أن لبنان تبلّغ تغيير رئيس لجنة مراقبة وقف النار الجنرال الأميركي مايكل ليني، من ضمن مسار روتيني يُعتمد كل ستة أشهر، وأن خليفته سيصل بعد أسبوعين، كشفت قناة «الجديد» أنه خلال اجتماع الناقورة للجنة الإشراف على قرار وقف النار بحضور كوبر وأورتاغوس، قدّم الجيش اللبناني تصوراً متكاملاً للمرحلة الأولى من خطته الأمنية، التي تتضمن:
- حصر السلاح ضمن نطاق جنوب الليطاني.
- انتشار وحدات عسكرية في المناطق المستهدفة بهدف فرض سلطة الدولة.
- منع إدخال الأسلحة إلى المنطقة عبر ضبط المعابر والطرق.
- مصادرة أي أسلحة يتم العثور عليها بعد تنفيذ الانتشار.
وأفادت بأن «الخطة وضعت بجدول زمني واضح، على أن يُستكمل تنفيذ المراحل اللاحقة بناءً على نتائج هذه الخطوة الأولى» وأن «الولايات المتحدة رحّبت بالعرض اللبناني، وأكدت التزامها دعم الجيش لوجستياً وسياسياً، كما طلبت الإدارة الأميركية عبر ممثليها، ولا سيما قائد المنطقة الوسطى، تفاصيل إضافية حول آليات التنفيذ والقدرات الميدانية المطلوبة، ما يعكس اهتمام واشنطن بتعزيز التنسيق مع المؤسسة العسكرية اللبنانية».
في المقابل، الموقف الاسرائيلي، وفق «الجديد» جاء إيجابياً، «إذ اعتبر أن تطبيق المرحلة الأولى من خطة الجيش يجب أن تحصل توازياً مع رفع مستوى التنسيق مع آلية الميكانيزم».
ترحيب فرنسي
في موازاة ذلك، أبلغ وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، نظيره اللبناني يوسف رجي، في اتصال هاتفي ترحيب باريس «بتبنّي الحكومة اللبنانية الخطة التي اقترحها الجيش لاستعادة احتكار الدولة للسلاح على كامل الأراضي اللبنانية، وأكد استعداد فرنسا للوقوف إلى جانب السلطات اللبنانية لتنفيذ التزاماتها ودعم الجيش اللبناني».
وكشف أن بارو «أبلغني نية الرئيس إيمانويل ماكرون، تنظيم مؤتمرين لدعم القوات المسلحة اللبنانية، ولإعادة الإعمار والإنعاش الاقتصادي عندما تتوافر الظروف الملائمة لذلك».
وفيما تنتظر بيروت زيارة للموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان تحدّثت تقارير عن أنها ستستمرّ يومين ويفترض أن تحمل إشارةً يترقبها كثيرون لكيفية تلقف الرياض ما أقرته الحكومة في جلستها يوم الجمعة، بالتوازي مع محطة مرتقبة للموفد الفرنسي جان - إيف لودريان، يصل اليوم رئيس البرلمان العربي محمد اليماحي على رأس وفد للمشاركة في الاجتماع العام للمجلس البرلماني الآسيوي - الأفريقي، المقرر عقده الاثنين والثلاثاء في مقر مجلس النواب.
مناورة إسرائيلية
وعلى وهج هذه المناخات المشدودة، أعلن الجيشُ الإسرائيلي أنه نفّذ الأسبوع الماضي تدريباً في منشأة جديدة بهضبة الجولان تضمنت إطلاق نار حي ومناورة تحاكي شوارع لبنان.
وأفاد في بيان بأن «التدريب أُقيم بقيادة المركز الوطني للتدريب البري بالتعاون مع مدرسة الكوماندوس وكتائب الهندسة والمدرعات ومقاتلي الاحتياط من لواء 551 وسلاح الجو».
وأضاف «أُنشئت المنشأة بقيادة إدارة الحدود والعوائق وقسم الهندسة والبناء في وزارة الدفاع عقب عملية تعلم عملياتية، حُدد خلالها ضرورة وجود منشأة تدريب مخصصة تتلاءم مع ظروف القتال في قطاع لبنان».
ولفت إلى أن «المنشأة بُنيت على شكل قرية نموذجية تشبه القرى اللبنانية من حيث التضاريس والمباني، بما في ذلك بيوت من طابق واحد وحتى مبانٍ من 4 طوابق، أنفاق، طرق معقدة، وأحياء مكتظة. كما تحتوي على مناطق مدمرة لمحاكاة القتال في بيئة تعرضت سابقاً للقصف أو المعارك، ما يُتيح للجنود التدرب على الدخول إلى مناطق مهدمة والتعامل معها بفعالية».