المصدر: الجمهورية
الكاتب: ريمون شاكر
الأربعاء 22 أيار 2019 07:37:18
إذا كان اللبنانيون في حال ترقّب مشروع الـموازنة وسلّة الضرائب والإجراءات التقشّفية التي ستطالهم، ومنشغلين بالـمشكلات المالية والإقتصادية والـمعيشية التـي تحاصرهم، فإنّ الدول العربية والخليجية تستعدّ لحرب أميركية - إيرانية، إنطلقت شرارتـها الأولـى بعد التفجيـرات التـي طاولت أربع سفن فـي الـمياه الإقليمية الإماراتية مقابل ميناء الفجـيـرة، والـهجوم الذي نفّذه الحوثيون بطائرات مسيّـرة على مـحطتين لضخّ النفط فـي السعودية.
بعد هاتين الحادثتين، وبعد دخول حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» إلى المياه الإقليمية، والحديث عن إرسال 120 ألف جندي أميـركي إلى الـمنطقة، تعيش دول الإقليم على برميل بارود لا أحد يعرف متى ينفجر.
عندما تدعو أميركا وبريطانيا رعاياهـما إلى مغادرة العراق ودول الـخليج، وعندما يـحذّر رئيس مـجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم من حرب متوقّعة، فهذا يعني أنّ الوضع خطير جداً.
فعلـى رغم الوساطات السرّية التـي تقوم بـها بغداد وعُمان وقطر وسويسرا بيـن واشنطن وطهران، وعلى رغم المواقف المُعلنة من جانب المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي، كما من جانب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو باستبعاد خيار الحرب، فإنّ الحرب قد تحصل فـي أيّ لحظة.
إنّ إيران التي لم تعد تتحمّل العقوبات الأميركية القاسية على شعبها واقتصادها، هي أمام ثلاثة خيارات: إمّا الذهاب إلى الحرب الـمباشرة، وهي أذكى من أن تقع فيها، وإمّا شنّ الحرب بواسطة وكلائـها فـي الـمنطقة، وهي ليست أكيدة أنـها لن تطالها، وإمّا مـحاولة تعميم الأزمة الإقتصادية التي تعيشها على دول الخليج والعالم من خلال إستهداف إمدادات النفط، كما فعلت فـي الفـجيرة وفي محطّتي ضخّ النفط فـي السعودية، وما قد تفعله فـي مضيق هرمز.
لقد هدّدت إيران مراراً بإقفال مضيق هرمز الذي تـمرّ عبـره نـحو 35 فـي الـمئة من إمدادات النفط العالـمية فـي حال نشوب حرب مع الولايات الـمتحدة.
وصرّح رئيس هيئة الأركان العامة للقوات الـمسلّحة الإيرانية الـجنـرال مـحمد باقري «إذا لـم يـمرّ نفطنا عبـر هذا الـمضيق، أكيد لن يـمرّ نفط الدول الأخرى أيضاً».
على رغم هذه التهديدات، إيران لا تريد الـحرب، لأنـها تعلم علم اليقيـن أنّ الـحرب لا تنقذها بل تـدمّرها، ولكنها تسعى إلى عدم الذهاب إلى التفاوض من موقع ضعف، فتـُحرّك الـحوثيـيّـن على الـجبـهة الـخليجية، وقد تضطر إلى تحريك «الحشد الشعبـي» فـي العراق و»حزب الله» فـي لبنان، من أجل تـحسين شروطها التفاوضية. ومن الواضح أيضاً أنّ ليس فـي نـيّـة أميـركا شنّ حرب على إيران، بل تشديد الضغوط عليها، وإضعاف قدرتها على تمويل وتسليح حلفائـها فـي الـمنطقة ومنهم «حزب الله» و«الجهاد الإسلامي» و«الحشد الشعبـي» و«الحوثيـون»، وأنّ إنتشار قواتـها فـي الـخليج جاء كقوّة ردع لتـحقيق تلك الضغوط وليس بقصد الـحرب. فطهران تعرف ذلك، ولكنها لا تريد الإستسلام والرضوخ للإملاءات الأميـركية.
وحدها إسرائيل تريد الـحرب، حتـى ولو إضطرت إلى خوضها منفردة فـي وجه إيران وحلفائـها، مغـتـنمةً فرصة قد لا تتكـرّر، وهي العداء الحادّ بيـن أميركا وإيران، والتهديدات الـمتبادلة، ووجود دونالد ترامب فـي البيت الأبيض وفلاديمير بوتين فـي الكرملين. وكانت إسرائيل قد بدأت حربها الإستباقية منذ السنوات الأولى للحرب الدائرة فـي سوريا بتنفيذ عدّة ضربات داخل الأراضي السورية ضدّ مواقع تابعة للنظام ومستودعات أسلحة تعود إلى «حزب الله» والـحرس الثوري الإيرانـي. ومنذ 2017 كثّفت إسرائيل ضرباتـها على الـمنشآت العسكرية الإيرانية فـي الداخل السوري مستفيدةً من «قبّة الباط» الروسية، وحضّرت نفسياً الرأي العام العالـمي والـجمعية العمومية فـي نيويورك لتقبّل الحرب التـي ستخوضها، زاعمةً فـي أيلول 2018 وجود موقع لإنتاج صواريخ بالغة الدقّة لصالـح «حزب الله» وآخر لتـخزينها فـي مـحيط مطار بيـروت الدولـي. ثـمّ، وفـي تشرين الثانـي 2018 أعلن الجيش الإسرائيلي عن وجود أنفاق لـ «حزب الله» تسمح بالتسلّل من لبنان إلى أراضي إسرائيل وباشر عملية تدميـرها.
وهكذا، فإنّ إسرائيل بدأت حربها على إيران و»حزب الله» قبل إنسحاب أميـركا من الإتفاق النووي، وقبل البدء بالعقوبات الأميـركية على إيران، وتـنـتـظر الفرصة السانحة لتدمير الترسانة العسكرية الإيرانية وصواريخ «حزب الله».
السؤال الذي يطرح نفسه: هل الولايات المتحدة لها مصلحة بنشوب حرب إقليمية تعرف متـى تبدأ ولا تعرف متى وكيف تنتهي؟
هذا ما ستكشفه القمّتـان الخليجية والعربية فـي مكّة الـمكرّمة فـي 30 من الشهر الجاري، اللتان دعا إليهما الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وبتوجيه من الرئيس الأميـركي دونالد ترامب ورعايته.
هناك مقولة تنطبق على واقعنا: إذا أردتَ السلام فاستعدّ للحرب.
يقول نابليون بونابرت: قوام الحرب ثلاثة: المال والمال والمال.