المصدر: النهار
الكاتب: إسكندر خشاشو
الثلاثاء 19 آب 2025 08:27:10
في ظل الجدل المستمر حول لبننة الورقة الأميركية، عاد الرئيس جوزف عون ليؤكّد أنّ أي تقدم في الملفات الحساسة، من ترسيم الحدود البحرية إلى مسألة السلاح، يجب أن يتم "خطوة خطوة". هذه العبارة لم تكن مجرد توصية بروتوكولية، بل تحمل دلالة سياسية واضحة مفادها أن لبنان يريد أن يتحكّم في إيقاع العملية، مع الحفاظ على سيادته وتجنب أي فرض خارجي مباشر.
لكن السؤال الأهم: هل صارت الكرة في ملعب واشنطن وتل أبيب؟
الحقيقة أنّ المبادرة الأميركية تضع لبنان أمام اختبار دقيق. الورقة الأميركية ترمي إلى جعل الحلول مقبولة داخليا، لكن تنفيذها الفعلي يحتاج إلى تنازلات من الطرفين الخارجيين. فواشنطن وإسرائيل أمام أحد خيارين: إما القبول بمنهجية التدرّج اللبنانية، وإما الاستعداد لمواجهة رفض داخلي قد يعرقل أي اتفاق.
وفي المقابل، لا يمكن تجاهل المسؤولية الداخلية وقدرة لبنان على توحيد موقفه التفاوضي، خصوصا في ظل الانقسامات السياسية التي ستحدّد نجاح أي خطوة. ومن دون موقف لبناني موحّد، فإن أي مبادرة خارجية ستظل محكومة بالهشاشة، وربما تتحوّل إلى أداة ضغط على الداخل بدل أن تكون حلاً.
الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور جورج يزبك يقول في حديث إلى "النهار" إن "الخطوة خطوة مستمدة من موقف السلطة اللبنانية والتعديلات التي وضعتها على الورقة الأميركية، وهذا ما عرف بلببنة الورقة الأميركية التي حظيت بموافقة حامل القلم، أي توم براك وإدارته".
يضيف: "الخطوة خطوة تبدأ من مقدمة الورقة، أي الأهداف التي هي جزء لا يتجزأ من الورقة، تماماً كحال مقدمة الدستور (preambule) بالنسبة إلى متن الدستور ( the body of the constitution)، هناك تصريح (لا تلميح) في المقدمة العامة للورقة أو في أسبابها الموجبة بتنامي الشكاوى في شأن الانتهاكات الإسرائيلية لوقف النار. إذاً قبل الوصول الى مراحل التنفيذ المحددة في الورقة، تبقى هذه النقطة (وقف الانتهاكات) أساسية ومحورية، بل من دونها تسقط كل الورقة بكامل بنودها. ولأنها محورية، عادت وتكرست في البند ٢ من المقدمة (الأهداف) التي تلت الموجب الواقع على السلطة اللبنانية والقاضي باتخاذ الخطوات اللازمة لبسط سيادته على جميع أراضيه وتكريس السلطة الحصرية للدولة في اتخاذ القرارات السيادية (قرار الحرب والسلم…) الواردة في البند ٢، وتسبق إنهاء الوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية بما فيها "حزب الله"، والواردة في البند ٣".
ويتابع يزبك: "هل نفذ لبنان البند الأول؟ الجواب نعم، من خلال قرار مجلس الوزراء حصر السلاح، مسمياً "حزب الله" بالاسم كما فعلت الورقة.
والسؤال الثاني: هل إسرائيل ملزمة وقف الاعتداءات؟ الجواب أيضاً نعم، وإلا تكون إسرائيل قد أجهضت الورقة بإجهاض أهدافها التي هي الأساس والمبدأ، ما يجعل الانتقال الى التزام المندرجات الزمنية الواردة في مراحل التنفيذ شبه مستحيل".
ويكمل: "المسألة ليست فقط في المخالفة القانونية للورقة، المسألة هي في المخالفات السياسية من الجانبين، نتنياهو وعد بإسرائيل الكبرى، وقاسم تعهد بمحو إسرائيل من الوجود، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير أعلن تنفيذ 600 ضربة جوّية منذ توقيع اتّفاق وقف النار، و"حزب الله" يرفض تسليم سلاحه في انتظار جولات أخرى ضد إسرائيل في التوقيت المناسب".
ويختم: "إذاً الخطوة خطوة تعني في قراءة قانونية ومنهجية للورقة: خطوة أولى من لبنان هي الاعتراف بالورقة، وخطوة مقابلة من إسرائيل هي الاعتراف المقابل بالورقة، وخطوة ثانية من لبنان لإقرار حصرية السلاح بيد الدولة وقرار الحرب والسلم،، وخطوة ثانية مقابلة من إسرائيل لوقف الاعتداءات. لبنان نفذ الخطوتين، في انتظار تنفيذ إسرائيل خطوة مزدوجة (إقرار الورقة ووقف الاعتداءات)".
بدوره، يقول مدير مركز المشرق للشؤون الإستراتيجية الدكتور سامي نادر لـ"النهار": "إن الرئيس عون يحاول أن يحصّل ما يستطيع تحصيله"، مذكّرا "بأمر أساسي وبفخّ يجب تجنّبه هو أن من الخطأ ربط الانسحاب الإسرائيلي بحصرية السلاح، وإلّا فإننا نعطي إسرائيل مبررا إضافيا للاستمرار بعدوانها لأننا لم نتمكّن من بناء دولة"، لافتا إلى أن "هذا السلاح لديه وظيفة إقليمية، فلا يمكن أن نقول إننا نرجئ سيادتنا ونبقي على سلاح لديه وظيفة إقليمية ونريد الضغط على إسرائيل لتنسحب، لذلك أنا أرى من المغالطة أو من الخطورة بمكان ربط الانسحاب الإسرائيلي بمسألة حصرية السلاح".
ويؤكد أن "حصرية السلاح تثبّت دور الدولة في كل المجالات في حفظ الأمن وتثبّت موقعها على طاولة المفاوضات، عندها يكون دورها أهم بكثير، بحيث لا نظهر كأننا خائفون، بل نصبح مسؤولين عن الأمن في بلادنا وعن تطبيق القرارات الدولية، وبالنتيجة نكون مسؤولين عن احترام بنود هذه الورقة ولدينا إمكانات لذلك لأننا حصرنا السلاح. أنا أفضّل قراءتها من هذه الزاوية وليس من زاوية أن الكرة في الملعب الإسرائيلي".