حصرية "الميدل إيست" تنتهي في أيلول والحكومة تبحث عن آلية وذريعة للتمديد

ينتهي في أيلول المقبل العقد الحصري المبرم بين شركة طيران الشرق الاوسط والحكومة، والذي تحولت "الميدل إيست" بموجبه إلى الناقل الوطني الجوي الوحيد للركاب منذ عام 1969، غداة العدوان الإسرائيلي الذي أدى إلى تدمير أسطول الشركة ومنحها الحق الحصري.

قبل أيام، غردت الوزيرة السابقة غادة شريم مذكرةً بقرب انتهاء مهلة تمديد العقد في أيلول المقبل، وداعية إلى تجهيز مناقصة لاستقدام شركات جديدة "حتى لا نكون أمام تمديد جديد واحتكار جديد". وكتبت: "لن تعود الشركة الوطنية الوحيدة المرخصة لها على الأراضي اللبنانية كما هو الوضع منذ خمسين عاماً".

تركت هذه التغريدة علامات استفهام عما إذا كان الملف سيخضع للتجاذبات، أو أن الحكومة ستعمد إلى تجديد أو تمديد جديد، بذريعة أن الظروف الراهنة لا تسمح بطرح مزايدة لاستقطاب مستثمرين جدد، كما حصل في أيلول ٢٠٢٢، عندما قررت الحكومة تمديد العقد عامين، أي حتى أيلول المقبل، بسبب الأوضاع المترتبة على تفشي جائحة كورونا، بعدما انتهت مفاعيل القرار الصادر عن مجلس الوزراء في أيلول ٢٠١٢، والقاضي بالتمديد للشركة عشرين عاماً.

في استيضاح "النهار" لشريم هل تملك أي معلومات عن مآل الملف، أوضحت أنها رغبت في إثارته من أجل تسليط الضوء على هذا الموضوع المهم والحيوي الذي يستحق في أيلول، ويستدعي التحرك قبل الأوان إذا كانت نية البحث عن مستثمرين جدد قائمة، متسائلة لمَ لا تكون الأجواء مفتوحة لكل الشركات للتنافس ضمن القوانين المرعية، بما يفتح المجال أمام زيادة عدد القادمين إلى لبنان ولا سيما في صفوف الشباب والعائلات، لأن التنافس يخفض الأسعار ويسمح للفرد بأن يضاعف رحلاته بدل الاقتصار على زيارة واحدة للبنان بسبب الأسعار المرتفعة للتذاكر. وتذكر أن المنافسة تشمل كل الشركات التي ستتدافع وتطور خدماتها من أجل استقطاب المسافرين. ليس لدى شريم أي فكرة عن شروط عقد الحصرية مع "الميدل إيست"، لذلك تدعو إلى الاطلاع على العقد ومعرفة ما سيكون عليه دفتر الشروط وإذا كان يأخذ في الاعتبار الظروف القائمة.

أتت تغريدة شريم غداة كلام لرئيس لجنة الأشغال العامة والنقل النائب سجيع عطية أعلن فيه أن مفاعيل قرار التمديد تنتهي في أيلول وأن باب التقدم بالطلبات مفتوح للشركات المحلية والعربية والدولية عبر مناقصة تعدّ لهذه الغاية، معدّداً مزايا فتح باب المنافسة لجهة الأسعار وفرص العمل.

يدرك عطية أن قرار عدم تمديد الحصرية في يد الحكومة، ووزير الأشغال العامة والنقل الذي يعود اليه رفع الاقتراح بالتمديد أو عدمه إلى مجلس الوزراء. أما في أوساط الشركة فهناك اقتناع بأن لبنان، نظراً إلى صغر حجم سوقه، لا يمكنه أن يستوعب وجود شركتي نقل جوي للركاب، نظراً إلى انتفاء الجدوى الاقتصادية وإمكان أن يؤثر ذلك على حجم الأعمال والأرباح التي تحققها أساساً "الميدل إيست"، وهو ما يفقد أي مستثمرين محتملين الرغبة أو الحافز للدخول في مشروع تصفه الشركة بالخاسر، خصوصاً في ظل الأوضاع الأمنية المضطربة والمخاوف الدائمة على المطار في ضوء التهديدات الاسرائيلية المستمرة للموقف الحيوي الوحيد القائم، فيما اعتادت الشركة هذه المخاطر وتتعامل معها.

ولطالما عارضت الحكومات المتعاقبة السير بخيار سياسة الأجواء المفتوحة التي طرحت أكثر من مرة بهدف فتح المجال أمام المنافسة وتطوير هذا القطاع، على نحو يساهم في خفض الأسعار وإفساح المجال أمام الركاب الراغبين في القدوم إلى لبنان للإفادة من أسعار تنافسية غير متوافرة حالياً في ظل الحصرية التي يتمتع بها الناقل الوطني الوحيد. والواقع أن حصرية "الميدل إيست" سمحت لها بالاستحواذ على نحو ٣٧ في المئة من حركة الطيران في لبنان في ٢٠٢٤، بعدما أقفلت العام الماضي على حصة تجاوزت ال ٤٥ في المئة. وهي بهذه الحصرية تمكنت من التحكم في أسعار التذاكر، ملزمة الشركات الأخرى ولا سيما المتحالفة معها، سقفها، ما انعكس سلباً على المسافرين، علماً أنه يعود للحكومة في شكل رئيسي اتخاذ مثل هذا القرار على أساس المنافسة العادلة وتوفير الضمانات القانونية ل"الميدل إيست" في هذا المجالن ولا سيما لجهة عدم لجوء أي شركة نقل جوي إلى فرض تعرفة منخفضة ترتب على أي شركة أخرى معنية انعكاسات سلبية.

والحال أن الحق الحصري أفقد أي شركات أخرى مهتمة بدخول السوق اللبنانية حق التقدم لطلب أي ترخيص. ومعلوم أن مصرف لبنان يملك حالياً غالبية أسهم الشركة، لكنه لا يملك قرار منح الحصرية باعتباره يعود إلى الدولة. وقد آلت إليه الأسهم من خلال ملكيته في شركة "إنترا" للاستثمار القابضة التي كانت تملك غالبية أسهم "الميدل إيست".

والسؤال: هل الظروف الامنية والسياسية في ظل حكومة تصريف أعمال لا تسمح فعلا باتخاذ قرار اعتماد سياسة الاجواء المفتوحة وفتح الباب أمام إنشاء شركة جديدة تنافس "الميدل إيست"؟ وما موقف الحكومة على مسافة أقل من ثلاثة أشهر من انتهاء عقد الحصرية؟

تفيد المعلومات المتوافرة ان لا نية لدى الحكومة لإنهاء عقد الحصرية مع "الميدل إيست"، بل هي تتجه إلى تمديد جديد مستندة إلى قانون تعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية رقم ١٦٠ الصادر في ٨/٥/٢٠٢٠ والذي تم إقراره بسبب تعطل الحياة العامة في البلاد بسبب تفشي جائحة كورونا. علماً أن هذا القانون علق المهل بين ١٨ تشرين الاول ٢٠١٩ و٣٠ تموز ٢٠٢٠، أي لمدة ٢٠ شهراً، وقد تم تمديد عقد الشركة عام ٢٠٢٢، عند انتهاء مدته في أيلول من ذلك العام، لمدة عامين تطبيقاً لقانون تعليق المهل، أي أن الشركة استفادت من هذا القانون مسبقاً، فهل يمكن أن تستفيد مرة ثانية؟

بحسب مصادر مواكبة للملف، فإن الدوائر القانونية المعنية تعمل على "تخريجة" للموضوع، خصوصاً أنه لم يعد في إمكان الشركة أن تستفيد من قانون تعليق المهل. وقد يكون اللجوء إلى الاوضاع الاستثنائية في البلاد في ضوء الاضطرابات الأمنية والتهديدات الإسرائيلية المتنامية، ولا سيما تلك التي تتحدث عن احتمالات استهداف مطار رفيق الحريريّ الدولي، لتبرير عجز الحكومة عن طرح مزايدة لاستقطاب مستثمرين جدد نظراً إلى المخاطر الاستثمارية العالية.

قرار كهذا يشي بأن هناك تفاهماً ضمنياً بين المكونات السياسية النافذة لتمكين "الميدل إيست" من الحفاظ على حصريتها. علماً أن بعض المؤيدين لاستمرار الحصرية، وهم من المستفيدين من الخدمات الوفيرة التي تقدمها لهم الشركة، يعززون موقفهم عبر إثارة الخشية أن يكون دخول شركة طيران جديدة تحت عنوان الطيران المنخفض الكلفة ذريعة أو مقدمة لاستعمال مدارج جديدة تؤدي إلى إنشاء مطار آخر لهذه الغاية، الأمر الذي يعارضه بشدة "حزب الله" ولن يسمح بحصوله. لذلك، يبدو القرار متجها نحو التمديد، وإن لم تتضح بعد المدة التي سيتم اعتمادها، وترددت معلومات عن أنها لن تتجاوز العامين لقطع الطريق على أي اعتراضات على القرار.

وكانت لافتة زيارة رئيس مجلس إدارة "الميدل إيست" محمد الحوت قبل أيام للسرايا حيث كان له لقاء مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تناولا فيه الملف.

على خط مواز، يتريث وزير الأشغال العامة والنقل علي حميه في الإعلان عن خطوته في هذا الشأن، علماً أن أي قرار يجب أن يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح حميه.