المصدر: المدن
الكاتب: هاني عضاضة
الخميس 4 أيلول 2025 01:17:17
على الرغم من الخسائر المتراكمة، يواصل قطاع السياحة في لبنان إثبات مرونته وقدرته على التكيّف. وهناك مبالغات حول هشاشة هذا القطاع أمام التوترات السياسية والأمنية وتقديرات غيرصحيحة، رغم تعرض البلد لضربات قاسية وفقدانه للعديد من ميزاته التنافسية بسبب ارتفاع التكاليف التشغيلية بشكل رئيسي. بعد انهيار الليرة اللبنانية وارتفاع أسعار الواردات وتراجع كمياتها، برز توجه تصديري متنامٍ، خصوصًا للعلامات التجارية. وبعد جائحة كوفيد-19، ازدهرت السياحة البيئية في المناطق الريفية حيث يقل الاختلاط، وافتُتِحَت آلاف بيوت الضيافة والنُّزُل، ونشأت مئات المؤسسات الصغيرة داخل المجتمعات المحلية لبيع المنتحات الحرفية والعضوية. إلا أن هذه التحولات البنيوية التي يمر بها القطاع، تحت ضغط الأزمات، لا تزال في أطوارها الأولية، ويظل الاستقرار الأمني شرطًا أساسيًا لتطور القطاع واستمراره على المدى الطويل، بصرف النظر عن التحولات التي يشهدها.
توقعات متفائلة قيّدتها المتغيرات الجيوسياسية
أوضح رئيس نقابة مكاتب السياحة والسفر جان عبود في حديث إلى "المدن" أن حركة الوافدين إلى لبنان عاكست التوقعات الكبيرة التي وُضِعت في بداية الموسم الحالي، إذ "بدأ موسم الصيف منذ 15 أيار بشكلٍ واعد جدًا، وكنا نتوقع أن يكون مشابهًا لموسمي العامين 2010 و2011 حيث بلغت مساهمة القطاع السياحي في الاقتصاد نحو 11 مليار دولار أميركي سنويًا، وبلغ عدد الوافدين نحو مليونين ونصف مليون سائح".
وهذا ما أكده أيضاً كل من رئيس نقابة أصحاب الفنادق بيار الأشقر، ونائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري خالد نزهة، في تصريحين لـ "المدن"، إذ توافقا على أن التوقعات الإيجابية تراجعت بعد القصف الإسرائيلي العنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت في 5 حزيران الماضي، ثم توقفت الحركة بشكل كامل مع اندلاع الحرب الإسرائيلية-الإيرانية في 13 حزيران/يونيو، واقتصر بعدها حضور الوافدين على اللبنانيين المغتربين، ولم يحضر لبنانيون من المناطق البعيدة مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والبرازيل إلا بأعداد قليلة جدًا، فيما تراجع الحضور العربي والأوروبي إلى أدنى مستوياته.
تقلبات حادة في نسبة إشغال الفنادق
أشار الأشقر إلى أن الحضور العربي والخليجي في شهر أيار كان جيدًا لأول مرة منذ سنوات طويلة، وبوادر الموسم كانت ممتازة. ورغم التدهور الكبير في الوضع الأمني في شهر حزيران ، إلا أن نسبة إشغال الفنادق منذ 10 تموز ارتفعت بشكل ملحوظ، حيث حُجِزت معظم غرف الفنادق، فتراوحت نسبة الإشغال في بيروت بين 70 و80%، وفي المناطق بين 65 و70%. ثم عقّب قائلًا: "لكن تحسن نسبة الإشغال لفترة قصيرة لا يغطي الخسائر التي تعرض لها القطاع الفندقي في بداية الموسم". وأضاف: "إحدى مشكلات السياحة في لبنان أنها لم تعد نشطة طوال 365 يومًا، وأصبحت تقتصر على موسم الصيف. في عامي 2009-2010، وصلت نسبة التشغيل في بيروت إلى 72% طوال العام، واستقبل لبنان أكثر من مليوني سائح أجنبي".
33% معدل تراجع العمالة الثابتة
أما نزهة، فأشار إلى أن "حجم الأرباح التي حققها القطاع المطعمي خلال الموسم الحالي لا يمكن تحديده بدقة بعد، لكن هذا القطاع ليس مجرد قطاعٍ ترفيهي، بل هو مرتبط بجميع القطاعات المنتجة في البلد، وقد أبدى مقاومة كبيرة رغم الأزمات المتتالية من الانهيار المالي وجائحة كوفيد-19 وصولًا إلى الوضع الأمني المتدهور". وأضاف: "قبل الأزمة المالية كان هذا القطاع يوفر فرص عمل لأكثر من 150 ألف عامل لبناني مسجلين في الضمان الاجتماعي، إضافة إلى 50 ألف عامل موسمي. ولكي تتمكن النقابة من إبقاء القطاع نشطًا ومنظمًا، بدأت بإجراء إصلاحات مباشرة مثل إلزامية الانتساب إلى النقابة أسوة بالدول المحيطة، كما قامت بالتعاقد مع أربع جامعات لإطلاق برامج تدريبية في قطاعات الضيافة والمطاعم وتشغيل نحو 50 ألف طالب في القطاع. الجامعات هي: الجامعة اللبنانية الأميركية، وجامعة الحكمة، وجامعة الروح القدس – الكسليك، وجامعة القديس يوسف. ويُخصَّص المردود المالي الناتج عن هذه البرامج لدعم الطلاب المتفوقين الذين لا يملكون القدرة المالية لدفع أقساط جامعاتهم. أما عدد العمال الثابتين في القطاع حاليًا، فانخفض إلى حوالي 100 ألف، بينما لم تشهد العمالة الموسمية تراجعًا كبيرًا".
التكاليف التشغيلية تهدّد القطاع الفندقي
يشير الأشقر إلى أن "الاستثمارات الجديدة في القطاع الفندقي قليلة، والزيادة في حجم القطاع بسيطة جدًا. ويقتصر التأهيل على بعض الفنادق الصغيرة". في المقابل، يؤكد على الإقبال المتزايد على بيوت الضيافة في المناطق الريفية والنائية وخاصة في جبل لبنان والضنية ورأس بعلبك وبعض مناطق الشوف. يعتبر الأشقر أن "التكاليف التشغيلية هي العائق الأكبر أمام استدامة هذا القطاع، ولا قدرة لديه على منافسة الفنادق الموجودة في دول المنطقة، فتعرفة الكهرباء تبلغ 27 سنتًا للكيلوواط في الساعة، مقابل 10 سنتات في الأردن، و5 سنتات في تركيا، إضافة إلى تشغيل المولدات الكهربائية الخاصة. وتضاعف شاحنات نقل المياه العبء على أصحاب الفنادق في ظل انقطاعٍ دائم للمياه، حتى صار معظمهم يفضلون إقفال فنادقهم في معظم أيام السنة".
وفقًا للأشقر فإن "حجم القطاع الفندقي في الوقت الحالي يبلغ 620 فندقاً بين كبير وصغير، معظمها يعمل موسميًا بسبب الظروف الاستثنائية، بعدما كان القسم الأكبر منها يعمل على مدار السنة قبل العام 2019. بالتالي، إن قسمًا كبيرًا من العاملين في هذا القطاع أصبحوا من العمال الموسميين".
تشجيع للإنتاج المحلي وتوجه نحو التصدير
اتجه القطاع المطعمي من استيراد معظم المنتجات نحو تأمين اكتفاءٍ ذاتي في السوق المحلي وتصدير العلامات التجارية والصناعات الغذائية واليد العاملة المتخصصة في المطبخ اللبناني كنتيجة للأوضاع الاقتصادية والأمنية. في هذا السياق، قال نزهة: "إن المطاعم والمأكولات اللبنانية التي نقوم بتصديرها تضاهي تلك العالمية، والقطاع المطعمي أصبح قطاعًا منتجًا يساهم في تطوير القطاعين الزراعي والصناعي والإنتاج المحلي القروي وجلب العملات الصعبة، ولا يزال يعد أكبر قطاعٍ مستثمر في لبنان، وأكثر قطاع يساهم في دفع الضرائب للدولة رغم الظروف السياسية والأمنية السيئة. كما أننا عملنا في نقابة أصحاب المطاعم على استرداد قسمٍ كبير من أصحاب الخبرات والمستثمرين اللبنانيين الذين هاجروا قسرًا بعد العام 2019".
يشهد قطاع المطاعم والترفيه تعافيًا تدريجيًا على صعيد الاستثمارات، فبعد أن انخفض عدد المؤسسات من 8500 مؤسسة في عام 2018 إلى 4500 مؤسسة في عام 2019، يؤكد نزهة أن "العدد الحالي يقارب 6500 مؤسسة وهو في تحسن دائم رغم الظروف القاسية وارتفاع تكلفة التشغيل، وهي الأعلى في الشرق الأوسط، إضافة إلى تهالك البنية التحتية وعدم وجود بيئة تشريعية حاضنة ومشجعة للمستثمرين". وهذه المؤسسات لها دورٌ مهم في استعادة الاقتصاد اللبناني لعافيته نظرًا إلى العدد الكبير من الوظائف والمهن المرتبطة بها.
توصيات ومطالبات
يعتبر الأشقر أن "الوجهة السياحية الأولى في لبنان هي مدينة صور وشاطئها، الذي يضاهي شواطئ شرم الشيخ وأنطاليا وآيانابا، وإمكانياتها التاريخية والجغرافية تفوق تلك المناطق أهمية". ويشدّد على "الحاجة إلى العمل لإعادة لبنان إلى الخريطة السياحية بدءًا من هذه المدينة التي تستطيع إدخال مليون سائح سنويًا وحدها". ويضيف أن "هناك ضرورة قصوى لخلق منظومة سياحية متكاملة، إلى جانب إصلاحات قانونية لتشجيع الاستثمار". إلا أن ذلك كله لا قيمة له، بحسب الأشقر، في ظل غياب الاستقرار السياسي والأمني.
أما نزهة فيشدّد على ضرورة العمل لتوفير "باقات سياحية بأسعار تنافسية تستهدف السياح الأجانب"، والأهم من ذلك في رأيه هو "خفض أسعار تذاكر الطيران للبنانيين المغتربين، فهناك مئات الآلاف من المغتربين الذين يواجهون صعوبة في زيارة البلد بسبب الأسعار غير المنطقية لتذاكر السفر إلى لبنان، ويفضلون السفر إلى بلدان أخرى أقل تكلفة لقضاء أيام العطل". إضافة إلى ذلك، يطالب نزهة "بالتعاون بين جميع القطاعات والجهات المعنية لتحويل السياحة في لبنان من موسمية إلى مستدامة. إذ يجب تعزيز جميع أوجه السياحة على مدار أيام السنة، خصوصًا السياحة البحرية والأثرية والدينية".