المصدر: نداء الوطن
الثلاثاء 21 آذار 2023 07:02:54
كتب محمد دهشة في نداء الوطن:
يحلّ عيد الأمّ هذا العام مثقلاً بالهموم المعيشية والحياتية، وقد فتكت الأزمة الاقتصادية بكلّ مدّخرات العائلات الفقيرة والمتعفّفة، وقد باتت تحت خطّ الفقر المدقع، وتبحث عن كفاف عيشها وقوت يومها بعيداً من أيّ اهتمامات أخرى مهما كانت. والعيد الذي يُبشّر بحلول فصل الربيع في 21 آذار، يأتي هذا العام أيضاً في ظلّ الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار الأميركي وارتباطاً بالغلاء الذي طال كلّ شيء، حتّى الوردة التي لامس سعرها الـ150 ألف ليرة لبنانية، وقبل يومين على بدء شهر رمضان الكريم، حيث تزداد الأعباء المالية نظراً للعادات والطعام الخاص والحلويات والشراب الذي يرافق هذا الشهر الفضيل.
خلف ماكينة الخياطة تجلس سهير الأشقر أم محمد، وهي أمّ لـ7 أولاد (6 بنات وشاب)، داخل محلّها المتواضع في سوق «الحياكين» في صيدا القديمة، تقول لـ»نداء الوطن»: «لقد طلبت من أولادي عدم تحميل أنفسهم أعباء مالية إضافية بمناسبة عيد الأمّ، فالأوضاع الاقتصادية صعبة ويعيش الناس كلّ يوم بيومه»، قبل أن تضيف «الله يرضى عليهم، الاهتمام بالأمّ يعني عيداً لها على مدار العام وليس ليوم واحد فقط، فالأمّ أجمل هديّة من الله لأنّها تعطي من كلّ قلبها وتتعب من أجل أن يرتاح أولادها».
في صيدا القديمة، يمرّ العيد باهتاً إلى حدّ الاختناق وتكاد الدمعة تميّزه، لا قدرة للكثيرين على شراء هديّة حتّى الوردة وفي الوقت ذاته، هناك إصرار على اعتباره مناسبة مميّزة للتعبير عن مدى الحبّ للأمّ مهما كانت الظروف صعبة وضاغطة مالياً، بينهما يحرص الكثير على الاحتفاء به ولو بشكل رمزي، فـ»الأم تلمّ وتجمع» تقول الشابة ريان بسيوني لـ»نداء الوطن»، وتضيف بحسرة: «للأسف وصلنا إلى وقت أصبح فيه لزاماً علينا التقشّف بدلاً من شراء عدّة هدايا، اتفقت مع أخوتي الأربعة على شراء هدية واحدة للوالدة، من دون باقات الورد وقوالب الحلوى، وأن نلتقي عندها في المنزل ونقول لها كلّ عام وأنت بألف خير».
وسوء الحال ترجم عملياً بغياب الإزدحام في محال بيع الورد كما السنوات السابقة، بعضها سعَّر الورد وباقاته وهداياه بالدولار تماشياً مع موضة الأسواق والسوبرماركت والمحال التجارية الأخرى، ويقول أحد أصحابها «أبو ربيع»: «لم يعد بمقدور الناس شراء كلّ ما يتمنّون بسبب ارتفاع الأسعار، البعض يسأل ثم يتأفّف ويغادر المحلّ، والبعض الآخر يعتمد أسلوب التقشّف، هدية بدلاً من اثنتين، وأدناها وردة بدلاً من الباقة، وأسعار الورود تتفاوت بين محل وآخر وفق «البرستيج» وتتراوح ما بين 100 – 200 ألف ليرة لبنانية».
يغادر «أبو محمد» المحلّ ويقبض في يده على باقة من الورد ويقول لـ»نداء الوطن»: «رغم كّل الظروف الصعبة قرّرت شراء باقة من الورد لوالدتي، لأعبّر لها عن مدى حبّي وأنّها أكبر نعمة في الحياة، وهذا تقليد دأبت عليه منذ أن تزوّجت وسأستمرّ به مهما كانت الأزمة الاقتصادية خانقة ما دامت حية».
ومعايدة الأم وهي على قيد الحياة، يقابلها كثر بزيارة أضرحة أمهاتهم، يضعون وردة على الضريح بصمت، يقرأون سورة «الفاتحة» عن روحها الطاهرة، يذرفون الدمع ويتمنّون لو كانت بينهم حيّة ليحتفلوا بها مهما اشتدّت مصاعب الحياة، ويقول محمد: «جئت لأقول لأمّي كم أحبك، من بعدك تساوى الفرح والحزن في هذه الحياة، قبل أن يختم «الدنيا أمّ... رحمك الله يا أمّي».