حفاوة استقبال السعودية لسلام: محطة تأسيسية للمستقبل

تحمل الحفاوة التى أولتها المملكة العربية السعودية بشخص ولي العهد محمد بن سلمان لرئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، في أداء صلاة عيد الفطر إلى جانبه كتفاً إلى كتف، رسائل متعددة المضامين. أولها للخارج، مفادها أن السعودية باتت في سياق رفع حظر الاهتمام بالشأن اللبناني الذي فرضته منذ حكومة الرئيس سعد الحريري واستقالته الشهيرة من على أثير الهواء التلفزيوني، مروراً برؤساء الحكومات المتعاقبين الذين لم يعطوا فرصة الاهتمام أو اللقاء الثنائي مع كبار المسؤولين السعوديين، والتي أخذت أشكال سياسة النأي عن لبنان والابتعاد عن مشاكله المتعددة والمتراكمة عليه، وعدم الاكتراث بمجريات التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية اللبنانية، حيث شُبّه هذا المسار بأنه عقوبات مقنعة من باب التأديب، نظراً للحضور الإيراني ودور حزب الله.
الرسالة الثانية للداخل اللبناني، ومفادها أن موقع رئاسة الحكومة له خصوصيات بالحسابات السعودية، وهو ممرّ إلزامي للمساعدة والمؤازرة، ولاسيما بعد أن خرج إلى العلن التباين في وجهات النظر بين الرئاستين الأولى والثالثة، واقتراب الرئاسة الثانية من طروحات رئيس الجمهورية. وهي ظهرت في المواقف السياسية المتجانسة، وفي ملف تعيين حاكم مصرف لبنان، الذي قسم مجلس الوزراء إلى ثلثين مقابل ثلث. 

المساعدات رهن بتغيير السياسات
والرسالة الثالثة، تقول إن المملكة لها رؤيتها الخاصة التي تتجلى من خلال موقع رئاسة الحكومة ودورها الحاسم في إدارة البلاد، وإن المساعدات رهن بتغيير السياسات التي كانت سائدة في لبنان لأكثر من عقدين، والتي قد تعبر عن نمط إدارة الرئيس سلام لهذه الملفات وطريقة مقاربته لها، على عكس الرئيس جوزاف عون الذي يفضل الأخذ بواقعية الأمور السائدة في لبنان من دون فرض الغلبة على أي طرف من الأطراف، والتى عبر عنها بوضوح شديد من خلال تصريحاته في باريس على هامش لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

من الشكل إلى المضمون، كانت رسالة السعودية واضحة: تكريس العودة الفعلية إلى لبنان من باب المؤسسات الرسمية، وإعادة احتضان السنّة في لبنان، بعدما غلب عليهم الشعور بأنهم متروكون لقدرهم. كرست الزيارة عودة السعودية الفعلية للاهتمام بلبنان وبرئاسة الحكومة على وجه الخصوص. صحيح أن السعودية أرادت إحداث توازن في علاقتها بين رئيسي الجمهورية جوزاف عون والحكومة، لكن التأسيس للعلاقة المستقبلية مع السنّة في لبنان بدأها ولي العهد مع رئيس حكومة لبنان، الذي استبق زيارته للمملكة بالإعلان أن معادلة جيش وشعب ومقاومة صارت من الماضي، وأن للدولة قرار السلم والحرب. وهو ما يتواءم مع تشديد سلام حول الحفاظ على الطائف والدستور. وهو ما كان حاضراً بقوة خلال اللقاء في السعودية. إذ كان
هناك تشديد على ضرورة احترام الطائف وتطبيقه.

تكريس لموقع سلام ودوره
أرادت السعودية من خلال ترتيباتها لزيارة سلام، تكريسه كمرجعية سنّية ورئيساً لحكومة تؤيد السعودية انطلاقتها السياسية. تختلف زيارته عن زيارة رؤساء الحكومات السابقين، منذ عهد الحريري الذي انقطع حبل الود بينها وبينه، ولا يزال مقطوعاً، إلى الرئيس نجيب ميقاتي الذي فشل في كل مرة تحيّن فيها الفرص للانفتاح على السعودية.

طائرة سعودية خاصة أقلته، وعلى يمين ولي العهد خصص له المقعد الرسمي. سبق وصوله رعاية سعودية لتوقيع اتفاق بين وزيري الدفاع في كل من سوريا ولبنان حول الحدود اللبنانية السورية المشتركة. هنا للرعاية أبعادها التي تكرس دور السعودية في لبنان وسوريا.

للزيارة أيضاً دلالاتها بالشكل والمضمون. من حيث الشكل، كان لافتاً مرافقة ولي العهد لسلام من الاستقبال إلى الصلاة ثم الدعوة إلى مأدبة الإفطار، ثم الخلوة بينهما بغض النظر عن الوقت الذي استغرقته. أول رئيس حكومة منذ القطيعة مع الحريري، يحظى بحفاوة استقبال في المملكة ويخصه ولي عهدها بضيافة مميزة، لكأنه تقصد التأسيس معه للمرحلة المقبلة سياسياً، بما يمكن الاستنتاج من خلاله بأن بعض ملامح هذه المرحلة تطال حقبة ما بعد الانتخابات النيابية.

خطوات على سبيل الدعم
في المضمون، تؤكد المصادر المواكبة للزيارة عن قرب، أن ولي العهد أظهر إلماماً بكامل تفاصيل الوضع اللبناني، وهو تحدث عن وجود فرصة جديدة يجب على لبنان الاستفادة منها وعدم إضاعتها، وأن السعودية جاهزة للدعم في هذا السياق. وهنا قال سلام إن حكومته تعمل على مسار الحرص على عدم إضاعة المزيد من الفرص التي سبق وأضاعها لبنان، لاسيما بعد إقرار الطائف، وإنه من موقعه كرئيس حكومة يتمسك بمسارين: الأول، هو إنجاز الإصلاحات السياسية والقضائية والمؤسساتية والمالية، حتى يبدأ لبنان مسار النهوض. وهذا يفترض فتح الباب أمام اللبنانيين والمستثمرين للعودة إلى لبنان. أما الثاني، فشرطه الأمن والاستقرار. ولذا، يفترض العمل على تطبيق الدستور والطائف بتكريس مبدأ بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وامتلاك قرار السلم والحرب. وأن هذا يبدأ بما يقوم به الجيش في الجنوب، وأن لبنان يتخذ كل الإجراءات اللازمة لتثبيت الأمن والاستقرار وتوفير فرص وظروف عودة السياح ولاسيما السعوديين من بينهم.

تمنى رئيس حكومة لبنان على ولي العهد رفع الحظر عن سفر السعوديين إلى لبنان، كما ورفع الحظر عن الصادرات اللبنانية إلى السعودية، مع الإشارة إلى احتمال إصدار قرار بهذا الشأن في غضون الأسابيع المقبلة، واتخاذ خطوات كمؤشر على دعم السعودية للبنان، وأن اللجان المكلفة بمتابعة ملف التصدير سوف تعمل على ذلك. كما سيكون هناك عمل على ترتيب زيارة ثانية لرئيس الحكومة لتوقيع الاتفاقيات بين البلدين.

صلاة العيد في السعودية قد تكون الأولى في عهد سلام وليست الأخيرة، إلا إن نتائج الاستجابة لها رهن بما تسعى إليه السعودية من لعب دور كبير في إعادة صلة الرحم. وفي مقدمها إعادة الإعمار وتوفير المساعدات الدولية، ولاسيما السعي إلى تأمين مظلة لحماية لبنان في ظل التفلت الإسرائيلي، الذي لا يقتصر على الخروقات والاعتداءات اليومية والمستدامة، بل يتجاوز ذلك إلى الممارسات المفرطة في التدخل بشؤون الإقليم، ليشمل سوريا بشكل كبير، من دون رادع أو وازع.