المصدر: النهار
الكاتب: ابراهيم بيرم
الاثنين 13 كانون الثاني 2025 06:33:10
ليست مصادفة أن يقدم رئيس الجمهورية جوزف عون فور انتخابه برنامج عمل إصلاحيا شاملا للمرحلة المقبلة عبّر عنه خطاب القسم في كل مقاطعه بدءاً بكلامه عن أزمة حكم وحكام ثم احتكار الدولة السلاح إلى النقاط التي حددها لسلطة القضاء، وهي عناوين تتعارض مع كل الممارسات السياسية لأهل السلطة على مدى عقدين، وتفتح نافذة لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة. لكن هذا البرنامج سيصطدم بالبنية السياسية القائمة على المحاصصة واصطفافاتها في البلد.
فتح انتخاب جوزف عون مرحلة جديدة في لبنان، ستكون مليئة بالتحديات، وهي بدأت مع ضغوط دولية على القوى لانجاز الاستحقاق الذي شكل مع تبوؤ عون سدة الرئاسة الأولى تحولاً في المسار اللبناني برمته.
لا يمكن المقارنة بين تجارب سابقة أوصلت جنرالات إلى الرئاسة، ذلك أن الواقع القائم اليوم يختلف في ضوء التغييرات التي حدثت في المنطقة، بدءاً من الحرب الإسرائيلية على لبنان وما تعرض له "حزب الله" من ضربات، ووصولاً إلى سقوط نظام الأسد في سوريا. لذا يبدو الدعم العربي والإقليمي في هذه المرحلة بالذات، يتصل بالتغييرات الإقليمية، لكنه يفرض واقعاً داخلياً جديداً لم تتنبه له القوى السياسية حين عاندت التوصل الى تسوية لانتخاب عون باستثناء وليد جنبلاط الذي قرأ ما يحدث مستشرفاً المرحلة الجديدة، إلى أن فرض التدخل الدولي والعربي انتخاب جوزف عون الذي جاء رئيساً بأصوات المعارضة المسيحية والكتل السنية والثنائي الشيعي من دون أن يعني أنه كمرشح قدم ضمانات للأخير بعكس ما حكي.
يتسلح رئيس الجمهورية جوزف عون بالدعم العربي والدولي لتنفيذ برنامجه، وهو يدرك أن هناك أجندة ينبغي السير بها، كما أن القوى السياسية خصوصاً الثنائي الشيعي بطرفيه لا يستطيعان الوقوف في وجه الوصاية الخارجية، وإن كانا سيحاولان تحسين الشروط عند تشكيل الحكومة.
ستكون رئاسة الحكومة الجديدة وآلية تشكيلها الملف الأول الذي سيواجه الرئيس، إذ منذ جلسة الانتخاب حاول الثنائي الشيعي الحصول على ضمانات حول وزارة المال والتعيينات، لكن بعكس ما أشيع وفق المصدر الديبلوماسي بأن الثنائي حصل على ما أراد، فإن عون الذي كان إيجابياً ومنفتحاً على النقاش، إلا أنه حسم المسار السياسي في خطاب القسم وما يتصل به بتشكيل الحكومة والسلطات، وحدّد الاستراتيجية التي تمكن لبنان من مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فهو لم يذكر كلمة "مقاومة" وحسم بـ"حصرية السلاح" للدولة، وهو أمر سينسحب على البيان الوزاري للحكومة المقبلة، وإن كان سيخوض عون جولات من المواجهات للوصول الى ما يعبّر عن خطابه التأسيسي. والامر نفسه أيضاً ينسحب على المكونات الأخرى من المعارضة التي باتت تتصرف وكأن العهد ينطق باسمها وتريد أن تحدد شخصية رئيس الحكومة ودورها، علماً أن المعلومات تشير إلى أن الرئيس جوزف عون يريد بعد تكليف رئيس الحكومة وفق نتائج الاستشارات النيابية أن يعمل على تشكيل حكومة انقاذ مستقلة قادرة على السير ببرنامج عمله الذي يحظى برافعة دولية وتطبق اتفاق وقف النار والـ1701 واستعادة دور الدولة في التحرير واعادة لبنان إلى الحاضنة العربية، حتى لو شكل ذلك معركة في مجلس النواب لنيل الثقة.
هناك تحول في المسار اللبناني بتغطية الخارج، لكنه يحتاج إلى وقت لتبيان الموازين وقدرة الرئيس على تطبيق بيانه التأسيسي.