المصدر: النهار
الأربعاء 24 نيسان 2024 20:31:10
لا يحتاج المواطن اللبنانيّ أو أيّ زائر وطنَ الأرز إلى دراسات لمعرفة أن الأجواء اللبنانية ملوّثة وتسبّب الأمراض. إذ يكفي النظر إلى العاصمة من منطقة مرتفعة نسبياً لتظهر تلك السحابة السوداء، والزائر ما إن تطأ قدماه أرض المطار حتى تلاقيه روائح المطامر والمزارع والنفايات.
وعطفاً على ما سبق، لا يلتقي اثنان إلّا وحضر الحديث عن تفشّي الأمراض الصدريّة.
هذا الواقع ما هو إلّا نتيجة انهيار الدولة بكلّ مؤسساتها، بعد أن استفحل الفساد فيها أرضاً وبحراً وجوّاً لعقودٍ طويلة.
الحالة المزرية هذه، لفتت أنظار الصحافة الغربية بعد أن اشبعتها المحلية تقارير وتحقيقات ولا تزال، فقدّمت صحيفة "الغارديان البريطانيّة" تقريراً بعنوان: "أين يمكنك الاختباء من التلوث؟ السرطان يرتفع بنسبة 30 في المئة في #بيروت، ومولّدات الديزل تسمّم المدينة".
وبحسب التقرير، منذ الانهيار الاقتصادي عام 2019، بدأ ما يقارب 8 آلاف موّلد كهربائي العمل في بيروت، ويمكن سماع أصواتها وشمّ رائحتها، إنّما "أسوأ تأثير لها هو الهواء الذي يضطرّ سكان المدينة إلى تنفّسه".
ونشرت "الغارديان" بحثاً أجرته الجامعة الأميركية في بيروت، يفضي إلى أنّ "الاعتماد المفرط" على مولّدات الديزل في السنوات الخمس الماضية، يضاعف بشكل مباشر من خطر الإصابة بالسرطان، بالتزامن مع تقارير طبية تؤكّد أنّ "معدّلات التشخيص الإيجابي آخذة في الارتفاع".
وتنقل الصحيفة عن أطباء الأورام في بيروت قولهم إنّ معدّلات السرطان العامّة "ارتفعت بنسبة 30 في المئة سنوياً منذ عام 2020" مرفقة مع ملاحظة بالغة الخطورة مفادها أنّ "المرضى أصبحوا أصغر سناً وأنّ الأورام أصبحت أكثر عدوانية".
بناء عليه، السبب الأول لتلوث الهواء مولدات الكهرباء، بفعل التقنين والعجز في تأمين حاجات المواطنين لدى #كهرباء لبنان. مع العلم أنّ أحد أبرز أسباب الانهيار الماليّ يعود إلى فاتورة "كهرباء الدولة" التي بلغت ما يقارب الـ 45 مليار دولار، أي نصف العجز العام، من دون تحقيق أيّ إصلاح حقيقيّ لهذا القطاع، على الرغم من مطالبات المؤسسات والدول المانحة بذلك.
خطر التلوّث وفاتورته الصحيّة، تزيد من الأعباء المالية على وزارة الصحّة والمواطنين، في زمن قلّ فيه الدخل، مع انهيار ماليّ واقتصاديّ لم يجد من يرسم له خريطة طريق للخروج من هذه الهوّة السحيقة.
وزارة البيئة كانت قد أصدرت في الخريف الماضي إرشادات محدثة وأكثر صرامة بشأن وضع فلاتر للمولدات الكهربائية. وطلبت الوزارة من المحافظين والإدارات المحلية تطبيقها على المولدات الكبيرة والمتوسطة الحجم العاملة في نطاقها. وقد عمّم بعض المحافظين، خصوصاً في بيروت، هذه الإرشادات للتقيّد بها، كما تجري وزارة البيئة ورش عمل مع كلّ المعنيين في وزارة الطاقة والمياه، وزارة الداخلية والمدّعين العامّين من أجل حسن التطبيق.
وزير البيئة ناصر ياسين، وفي حديث لـ"النهار" قال إنّ المشكلة الرئيسية لتلوث الهواء تكمن في "الارتفاع الكبير في استخدام المولدات كمصدر أساسيّ للكهرباء عوضاً عن تغذية شبكة كهرباء لبنان". مشيراً إلى أنّ وجود هذا "العدد الكبير من المولدات الكهربائية بين المنازل والمؤسسات وفي المراكز التجارية واستخدامها في معظم الأوقات يشكّل خطراً جدّياً على البيئة والصحة العامة".
ويوضح في هذا الإطار، أنّه أصدر في شباط 2022، قراراً يعتمد تقييماً جديداً ومحدثاً لتخفيض الانبعاثات من قطاعي الصناعة والطاقة، بما فيها المولدات الكهربائية. على أن يطبّق على مرحلتين ابتداءً من شباط 2023، ويأخذ بعين الاعتبار "المعايير والإرشادات العالمية".
وأكّد أنّ وزارته تعمل على "إعادة تأهيل وتشغيل محطات رصد الهواء بشكل تدريجيّ، والتي كانت قد توقّفت عن العمل منذ منتصف 2019، وذلك بعد أن تمكّنت من الاستحصال على هبة من مرفق البيئة العالمي بالتعاون مع البنك الدوليّ".
وأضاف ياسين، أنّه في الوقت عينه قامت الوزارة بوضع "إعفاءات جمركية وتخفيض رسوم على السيارات الكهربائية والهجينة في موازنة 2024 بهدف التخفيف من تلوث الهواء الناتج عن قطاع النقل".
بالنسبة إلى وزير البيئة، الحلّ يكمن في "تحسّن التغذية من قبل شركة كهرباء لبنان" والعمل على إنتاج الكهرباء بطرق بديلة و"نظيفة ومن مصادر طاقة متجدّدة".
وفي ردّ عن سؤال عن الخطوات العملية في ظلّ الفراغ المؤسّساتيّ والفساد المستشري، أجاب: "وضع الفلاتر، لكنّ هذا الحلّ مؤقّت ويجب أن يذهب الجهد نحو انتظام عمل الكهرباء".
وكشف في معرض حديثة لـ"النهار" أنّ وزارة البيئة بصدد التحرّك قضائياً تجاه المخالفين بالتعاون مع المدعين العامين.
أمّا حول إمكانية زيادة المساحات الخضراء في العاصمة، فاكتفى الوزير ياسين بالقول "إنّ الموضوع عند بلدية بيروت"، مشيراً إلى أنّ وزارة البيئة أطلقت العام الماضي حملة زرع مليون شجرة كلّ عام.