المصدر: المدن
الكاتب: عزة الحاج حسن
الجمعة 22 كانون الاول 2023 11:50:37
تأكيداً لما نشرته "المدن" بتاريخ 3 تشرين الأول 2023 في تقرير حول تعطيل هيئة الأسواق المالية، اتُخذ قرار "التعطيل" بدءاً من بداية العام 2024 من باب وقف تمويلها بشكل تام. علماً ان مجمل نفقات الهيئة التي تضم نحو 47 موظفاً لا تزيد عن مليون دولار سنوياً، ما يطرح تساؤلات عن خلفيات قرار حل الهيئة ووقف تمويلها، من دون البحث في "أدراجها" عما تعمّد سلامة إخفاءه من خلال قرارات اتخذها قبل خروجة من منصبه ترتبط بتمويل الهيئة.
وقف التمويل
منذ شهر نيسان الفائت وهيئة الأسواق المالية تفتقد إلى التمويل بقرار من المجلس المركزي لمصرف لبنان، الذي وقف غالبية أعضائه آنذاك بوجه قرار تمويلها. حينها كان حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة لا يزال في سدة الحاكمية. ولو أراد سلامة تمويل الهيئة لما وصل بها الحال إلى ما هي عليه اليوم على شفير التصفية.
أما عن سبب وقف تمويلها منذ ما قبل خروج سلامة من مصرف لبنان بعدة أشهر، فله قصة أخرى. قصة لا تنفصل عن قصص سلامة وقضاياه المشبوهة، وتتلخّص بمحاولة سلامة آنذاك لملمة إحدى تجاوزاته، التي قد تفتح الباب على فضائحه مع المصارف فيما لو طالتها التحقيقات القضائية الأجنبية.
وكانت "المدن" قد فنّدت أسباب وقف تمويل هيئة الأسواق المالية منذ أشهر في تقرير تناول شركة "سوفيل"، إحدى فضائح سلامة. وهي شركة وساطة مالية كانت مكلّفة من قبل سلامة بتمويل هيئة الأسواق المالية التي كان يرأسها هو شخصياً، وذلك من خلال شراء أدوات مالية لصالح الهيئة. بمعنى آخر، من خلال "سمسرات" تقوم بها شركة سوفيل لصالح الهيئة على حساب المال العام.
تنظيف المخلفات
وكان سلامة قد أعفى المصارف في وقت سابق من تمويل الهيئة من خلال مساهماتهم، وفق ما هو محدّد في قانون تأسيسها، بل أكثر من ذلك، أطلق يد المصارف التي تتشارك في ملكية شركة سوفيل، لتحقيق ارباح من خلال عملية وساطة شكلية.
وقبل خروج سلامة من الحاكمية بأشهر قليلة حلّ شركة سوفيل من دون تبرير الأمر، على الرغم من أن ذلك أدى إلى وقف تمويل هيئة الأسواق المالية، ومن دون أن يعيد إصلاح آلية تمويل الهيئة حسب الأصول. قرار سلامة حينها بحل شركة سوفيل من دون صوغ حلول للهيئة، أثار الشكوك حول المخالفات والجرائم المالية التي تخفيها الشركة والمُرتَكَبة من قبل مؤسسيها ومالكيها، أي سلامة وكبرى المصارف.
ما حصل اليوم هو تقاذف المجلس المركزي لمصرف لبنان والحكومة مسؤولية تمويل هيئة الأسواق المالية. فالطرفان يرفضان تمويلها ولكل منهما أسبابه غير المعلنة، لكن يبدو لافتاً أن أي من الطرفين لم يطرح إعادة تشكيل الهيئة وتمويلها حسب الأصول، أي بمساهمات المصارف والمؤسسات المالية ومن بورصة بيروت.
من هنا يطرح تقاذف الطرفين مسؤولية تمويل الهيئة تساؤلات حول تعمّد مصرف لبنان ممثلاً بحاكمه بالإنابة وسيم منصوري من جهة، والحكومة من جهة أخرى، طمس ملف هيئة الأسواق ومن ورائها شركة سوفيل المنحلة والمصارف المالكة لها والمهندس الأساس سلامة ومحاولة تنظيف مخلفاته في القطاع من دون التعرّض له.
حل أم إعادة تشكيل؟
من حيث المبدأ لا يمكن حل هيئة الأسواق المالية لا بقرار من منصوري ولا من الحكومة، باعتبار أن تأسيسها جرى بموجب قانون صادر عام 2011. وبالتالي، لا يمكن حلها إلا بقانون. لكن من دون شك يمكن للطرفين تعطيلها وحتى حلّها كلّياً. وهو ما حصل فعلياً من خلال رفض تمويلها وفتح باب الاستقالات أمام موظفيها.
وحسب مصادر الهيئة، فإن قرار تعطيل الهيئة وتصفيتها قد اتُخذ، لكن ونظراً إلى أن حلّها بالمعنى القانوني يستلزم قانوناً، فإنها ستبقى رهن إعادة تشكيلها في المرحلة المقبلة فيما لو تم تنفيذ الاصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي.
ويأسف المصدر إلى سلوك طريق حلّها بدلاً من فتح ملفها والتحقيق بكل المخالفات التي شهدتها، من تأسيس شركة سوفيل لتمويلها إلى الصفقات المحتملة التي تم تمريرها على عاتق الهيئة والمال العام، والذي تم تقاسمه بين مالكي شركة سوفيل وما خفي من ملفات ترتبط بهيئة الأسواق. ويسأل المصدر، ما المانع اليوم من استمرار عمل الهيئة وتصويب مسارها وتنظيف سجلاتها من الموظفين الفائضين، لاسيما أولئك الذين تم توظيفهم على قاعدة المحاصصة، ومن ثم تأمين تمويلها وفق الأصول.
مع الإشارة إلى أن هيئة الأسواق المالية من المفترض أن تلعب دوراً رقابياً على جميع المؤسسات التي تتعامل مع الأدوات المالية، إلى جانب مهامها في تعزيز أسواق رأس المال اللبنانية وتطويرها، وحماية المستثمرين من الأنشطة الاحتيالية والترخيص للمؤسسات المالية والاستثمارية، من خلال إصدار الأنظمة التي تتماشى مع أفضل الممارسات الدولية.
وإلى جانب 47 موظفاً في هيئة الأسواق المالية، يتألف مجلس إدارتها من 7 أعضاء برئاسة حاكم مصرف لبنان وعضوية مدير عام وزارة المالية (شاغر حالياً) ومدير عام وزارة الاقتصاد ورئيس لجنة الرقابة على المصارف إلى جانب 3 خبراء (بورصات ومال ومصارف).