المصدر: المدن
الكاتب: ندى اندراوس
الخميس 5 حزيران 2025 02:06:17
في خطوة أثارت أسئلة حول توقيتها وخلفياتها، عيّن رئيس الجمهورية جوزاف عون وزير الاشغال العامة والنقل السابق علي حمية مستشارًا له لشؤون إعادة الإعمار، بالتزامن مع تشكيل لجنة رئاسية أوكل إليها إعداد خطة وطنية شاملة للنهوض بالمناطق المتضررة من الحرب الإسرائيلية الأخيرة. ويأتي هذا التعيين في سياق سياسي معقّد، تتداخل فيه الاعتبارات التقنية مع حسابات التوازنات الوطنية الدقيقة.
لماذا علي حمية؟
الاختيار لم يكن وليد المصادفة أو مجرّد قرار إداري تقني. فحمية، الذي شغل حقيبة الأشغال العامة والنقل في حكومة نجيب ميقاتي بين 2021 و2022، سبق أن أعدّ في خلال تولّيه الوزارة ملفًا تفصيليًا حول إعادة إعمار البنى التحتية، وأشرف على ملف مسح الاضرار ورفع الركام، لكنه بقي مجمّدًا نتيجة استقالة الحكومة وتعذّر تأمين التمويل.
بعد الحرب، أعاد رئيس الجمهورية إحياء هذا الملف وشكل لجنة قرّر ضم حمية إلى اللجنة لما تشكل مشاركته من طمأنة لبيئته الشيعية.
لذلك لم يرجح العامل التقني وحده كفة حمية. فالرجل، المعروف بإنتمائه السياسي الواضح إلى حزب الله، يتمتّع بغطاء سياسي يجعله حلقة تواصل فاعلة بين الرئاسة والحزب. ويشكل تعيينه أو توليه ملف إعادة الاعمار عاملا مطمئنا للحزب في ملف هو الأهم بالنسبة إليه بعد الحرب، وبموازاة مسار الحوار حول استراتيجية الامن الوطني التي تهدف إلى حسم ملف تسليم السلاح شمال الليطاني.
دمار غير مسبوق
تبلغ كلفة إعادة إعمار ما خلّفته الحرب الإسرائيلية الأخيرة مليارات الدولارات، وسط تقارير تشير إلى أن نحو 70% من المنشآت العامة في المناطق المستهدفة أصبحت خارج الخدمة، وعشرات الاف الوحدات السكنية مدمرة، أي أن عشرات الاف العائلات لا تزال مشردة أو تعيش في الايجار، محرومة من العودة إلى مناطقها وقراها التي تجعلها اسرائيل، يوما بعد يوم، غير قابلة للعيش أكثر فأكثر.
ولأن الامر يعني الثنائي أمل وحزب الله بشكل مباشر، يقول متابعون لـ"المدن" إن تعيين حمية لا يمكن فصله عن التطوّرات السياسية التي أعقبت الحرب. فلقاء الرئيس ووفد كتلة الوفاء للمقاومة، شهد، وفق ما علم، نقاشًا صريحًا حول ملفات السلاح، وإدارة ما بعد الحرب، ودور الدولة والحزب في المرحلة المقبلة. "لذا يُنظر إلى تعيين حمية كمؤشّر أولي على مسار تنسيقي غير معلن بين الطرفين، يتطلّع إلى مقاربة مشتركة لأكثر الملفات حساسية". كما أن الرئيس أعرب عن إهتمامه بإصدار قانون خاص بآليات إعادة الاعمار كما حصل إبان حرب الـ 2006. وهو وعد وفد كتلة الوفاء للمقاومة بإعطاء عناية خاصة لهذا الموضوع وطمانة الناس. ولان إعادة الاعمار ملف يشغل الثنائي ويتقدم على ما عداه، ولانه بالنسبة إلى الرئيس بري وقيادة حزب الله الأهم هو طمأنة البيئة الشعبية بأن الدولة ستتحمل مسؤولياتها وهي تعمل لاعادتهم إلى منازلهم، سبق وأن بحثه الحاج حسين خليل مع رئيس الحكومة نواف سلام. كما لم يغب عن مباحثات سلام والرئيس نبيه بري في لقائهما الاخير في عين التينة.
لكن هذه الخطوة أثارت قلق بعض الأطراف المعارضة، التي ترى بحسب ما كشفت لـ"المدن"، في التعيين تكريسًا لمنطق المحاصصة، وتخشى أن تتحوّل لجنة إعادة الإعمار إلى أداة لتوزيع النفوذ السياسي عبر بوابة التعويضات، خصوصًا في ظل التداخل الطائفي والمناطقي للمناطق المتضررة.
الواقعية السياسية وشروط المانحين
يبقى التحدي الأكبر لخطوة تعيين حمية خارج حدود الوطن، وأبعد من الاصطفافات المحلية. فالمجتمع الدولي، ومعه الجهات المانحة الغربية، يبدون أساسا تحفظًا على مشاركة حزب الله في السلطة والقرار، بشكل مباشر أو غير مباشر أكان على المستوى السياسي أو حتى على المستوى المالي. والخشية بحسب مصادر مطلعة من أن يؤدّي هذا التعيين إلى توسيع نفوذ الحزب ضمن المؤسسات ما قد يهدد بعرقلة قنوات التمويل، خصوصًا أن الشروط الدولية تشدّد على الحوكمة، والاستقلالية، والابتعاد عن المحاور الإقليمية.
في هذا الإطار، تسعى دوائر الرئاسة إلى طمأنة الخارج عبر تقديم لجنة متعددة التخصصات، وتبنّي آلية رقابة واضحة، تضمن فصل البعد التنفيذي عن الحسابات السياسية. ورغم أن اسم حمية يثير تساؤلات، إلا أن الأمل المعقود على خبرته ومعرفته بشروط الجهات المانحة ما قد يشكّل نقطة توازن في معادلة دقيقة، خصوصاً وأن حمية سبق وتعامل مع جهات خارجية ومؤسسات وممثلي دول من موقعه كوزير للاشغال.
في المحصلة يبقى التحدي المقبل في قدرة اللجنة الرئاسية، بمستشاريها وفرقها الفنية، على وضع خطة واضحة تحظى بثقة الداخل والخارج، وتفصل بين مقتضيات الإعمار ومتاهات السياسة. وسيكون أداء حمية، في موقعه الجديد، موضع مراقبة من الأطراف كافة، باعتباره مؤشرًا على نوايا الثنائي وجديته بصون علاقته مع العهد والتعاون بشفافية وضمن حدود القانون وتحت سقف الدولة ومؤسساتها لاسيما في ما يتعلّق بحوكمة المرحلة المقبلة.
ملف إعادة الإعمار ليس مجرد ملف إداري، بل هو اختبار فعلي لتوازنات ما بعد الحرب، ولادارة البلد ضمن التوجهات والسياسات التي يرسمها رئيس الجمهورية في المرحلة الجديدة التي يحاول أن ينقل لبنان إليها على المستويات كافة.