خامنئي يتراجع عن المحادثات مع واشنطن... ما المعلومات التي وصلته لينقلب على رأيه؟

على رغم أجواء التفاؤل التي سادت المشهد في إيران خلال الأسابيع الأخيرة بشأن المحادثات مع أميركا، أثار الموقف الشديد والصريح للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في السابع من شباط/فبراير الجاري ضد إجراء أي محادثات مع أميركا، الدهشة  داخل المجتمع الإيراني ولدى المراقبين الدوليين. واعتبر زعيم الجمهورية الإسلامية لدى استقباله قادة القوات الجوية أن المحادثات مع أميركا ليست مشرّفة ولا عقلانية وغير ذكية، ليضع رسمياً نهاية لكل التكهنات والتنبؤات بهذا الخصوص.

وكان المرشد الأعلى الإيراني، قد أعطى قبل بضعة أسابيع الضوء الأخضر للحكومة في ما خص المحادثات مع أميركا. وتأثرت الأسواق الإيرانية على الفور بتصريحات خامنئي، وشهدت ارتفاعاً شديداً في أسعار الدولار والذهب في يوم العطلة. وفي الإعلام، أبدى الإيرانيون مواقف مختلفة، يمكن تصنيفها بشكل عام ضمن أربع فئات:

الفئة الأولى، أولئك الذين طالبوا باستقالة الرئيس مسعود بزشكيان لأنه بحسب رأيهم، لا يستطيع الوفاء بوعوده التي قطعها من دون إجراء محادثات مع أميركا ومن الأفضل بالتالي أن يتنحى عن الرئاسة.

الفئة الثانية، أولئك الذين انتقدوا موقف الزعيم الإيراني معتبرين أنه لا يهتم في قراراته وسياساته، بمعيشة الناس واقتصادهم كما يجب، وأن هذا الموقف سيؤدي إلى تصعيد الضغوط الاقتصادية.

الفئة الثالثة، هي أقلية تعارض المحادثات مع أميركا، وعبّرت عن فرحتها بموقف المرشد الأعلى واعتبرته الكلمة الفصل، حتى أن المدير المسؤول لصحيفة "كيهان" حسين شريعتمداري وصف أنصار المحادثات مع أميركا بأنهم حمقى وخَوَنة. وفي صلاة الجمعة في طهران، أُطلقت شعارات مناهضة للمساعد الاستراتيجي لرئيس الجمهورية محمد جواد ظريف الذي يمثل رمزاً للمحادثات مع أميركا، فيما شكر إمام جمعة طهران المحتجين.

والفئة الرابعة، هم أولئك الذين سعوا إلى تفسير تصريحات المرشد الأعلى بأنها تكمّل مواقفه السابقة وطُرحت من أجل إطلاق يد الحكومة في إجراء المحادثات، لكي تتمكن من الحصول على مزيد من التنازلات. ويتم تقييم مواقف بعض المسؤولين الحكوميين بمن فيهم رئيس الجمهورية ووزير الخارجية في دعم تصريحات المرشد الأعلى في هذا الإطار.

وبمعزل عن هذه التصنيفات، هناك أمر كان واضحاً بالنسبة إلى المراقبين، وهو أن ثمة معلومات وصلت إلى زعيم الجمهورية الإسلامية ساهمت في اتخاذه هذا الموقف الصريح والشديد اللهجة، خصوصاً أن خامنئي عقد لقاءه الذي ألقى فيه كلمته هذه خارج الإطار المألوف والمتبع وفي يوم الجمعة بالذات، في حين أن لقاءاته الرسمية، تُعقد أيام الأربعاء. ويذهب البعض إلى أن هذه المعلومات، متعلقة باللقاء الذي جرى بين بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب في واشنطن، وقد نُقلت على الأرجح عبر القناة الروسية إلى إيران. ويرجح البعض أن ترامب وجه رسالة عن طريق وسطاء بمن فيهم سلطنة عمان إلى الزعيم الإيراني.

وفي غمرة التكهنات والتنبؤات هذه، أعلن رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف أن ترامب طالب في المذكرة المتعلقة بتكثيف العقوبات على إيران، بوقف الأنشطة النووية وإنتاج الصواريخ والأسلحة غير المتكافئة وغير التقليدية. وبحسب قاليباف، فإن هذا الاقتراح، يعني أن ترامب يريد إيران منزوعة السلاح بالكامل.

ويتبين في ضوء هذه التصريحات السبب الكامن وراء الموقف الشديد اللهجة للزعيم الإيراني ضد المحادثات مع أميركا، ويبدو بطبيعة الحال أن رؤية ترامب، بمعزل عن المذكرة المذكورة، قد نُقلت أيضاً إلى الزعيم الإيراني عبر قنوات أخرى.

وبالتالي، يمكن في ظل هذه الظروف، توقّع مسارين للعلاقات بين إيران وأميركا في المستقبل المنظور: الأول، تراجع ترامب عن مطالبه وخفض توقعات إيران بهدف جرّها إلى طاولة المفاوضات وتقديم تنازلات جذابة لها.
والمسار الثاني، المواجهة بين إيران وأميركا، والذي يتمثل في الخطوة الأولى، بتكثيف العقوبات، خصوصاً ضد مبيعات النفط الإيراني، وفي الخطوة الثانية، إطلاق يد إسرائيل لتنفيذ إجراءات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية بدعم من أميركا، أي الشيء ذاته الذي تبحث عنه إسرائيل منذ سنوات. ويتم تقييم القرار الأميركي خلال الأيام الأخيرة بتزويد إسرائيل  القنابل الخارقة للتحصينات، في هذا الإطار.