المصدر: المدن
الجمعة 4 أيلول 2020 12:20:46
نشرت مجموعة ''سيتي غروب'' الأميركية، تقريراً يركز على الشكل الذي يمكن أن يبدو عليه سيناريو خفض الديون، إذا ما توصل لبنان لاتفاق مع صندوق النقد الدولي. ووفق السيناريو الذي وضعه خبراء مجموعة الخدمات المالية الأميركية، فإن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي قد تنخفض بعد الاتفاق إلى أقل من 100 في المئة بحلول عام 2025، مدفوعةً بعمليات شطب الديون وسعر الفائدة المنخفض.
يعيش لبنان في سباقٍ مع الوقت للتوصل إلى حل للأزمة الاقتصادية المستفحلة، بعد أن تخلفت بيروت في وقتٍ سابق من هذا العام عن سداد سندات اليوروبوند الخاصة بها، ما قطع عنها التمويل الأجنبي وجعلها تعتمد على طباعة مصرف لبنان للنقود. وفي المقابل، تضاءلت احتياطيات النقد الأجنبي لمصرف لبنان. ونتيجةً لذلك، ظهرت أسعار صرف متعددة، مع بقاء سعريّن رسمييّن مرتبطّين بالمصرف المركزي لدعم بعض السلع والمشتريات المحددة.
يشير خبراء المجموعة الأميركية في تقريرهم، أن ما يعرضوه في هذا التقرير الذي في متناولنا، ليس بالضروري أن يكون السيناريو الأمثل أو تجسيداً حقيقياً عمّا سيحدث فعلاً في المستقبل، خصوصاً أنه لا يمكن التنبؤ بما إذا كان لبنان سيصل فعلاً إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وبذلك تم التركيز على الافتراضات التي يمكن أن تشكل نتيجة أكثر ملاءمة، ما يعني حكماً اعتبار الأرقام الواردة في التقرير عبارةً عن افتراضات عمل أكثر من كونها توقعات.
سيناريو تخفيض الديون
على المدى القصير، يعتقد خبراء المجموعة الأميركية، أنه من شبه المؤكد أن ترتفع نسبة الدين العام اللبناني إلى الناتج المحلي الإجمالي عن المستويات الحالية وسط انهيار النمو الاقتصادي وانخفاض قيمة الليرة، وإضافة قروض صندوق النقد الدولي وقروض أخرى. ورغم توقعهم نمواً اقتصادياً إيجابياً بعد هذه الفترة، فإن التأثير التراكمي للنمو حتى عام 2025 سيظل يدفع الدين بمقدار 11 نقطة مئوية، ليفوق الانكماش الأولي الانتعاش المتواضع بعد ذلك.
ويضيف خبراء ''سيتي غروب'' أن نسبة الدين ستبدأ في الانخفاض بشكلٍ حاد بعد الارتفاع الأولي الذي سبق ذكره، لأن التضخم، الناجم إلى حدٍ كبير عن انخفاض قيمة الليرة اللبنانية، من شأنه أن يؤدي إلى تآكل قيمة الدين المحلي، وسحب معدل الفائدة الحقيقي الفعلي إلى المنطقة السلبية. ووفق افتراضاتهم، من شأن هذا أن يفوق تضخم ديون العملات الأجنبية بعد الاستهلاك التراكمي بنسبة 52 نقطة مئوية حتى عام 2025.
من شأن فرض الدولة اقتطاعاً ("الهيركات")، على السندات بالعملات الأجنبية والديون المحلية أن يقلل من عبء الديون بمقدار 59 نقطة مئوية خلال هذه الفترة، كما من شأن عمليات الخصخصة بدورها، تخفيض هذا العبء بمقدار 13 نقطة أخرى. وهنا يتم افتراض أن يتسع العجز الأولي مبدئياً، حين سيتعين استخدام أجزاء من التمويل الخارجي لإعادة الإعمار ومساعدة القطاع المالي والإنفاق على البنية التحتية وما إلى ذلك.
ويفترض الخبراء أن نسبة الدين في الأعوام القليلة المقبلة ستزيد بمقدار 5 نقاط مئوية، مفترضين أن مؤشر الميزان الأولي سيعود إلى المنطقة الإيجابية بعد عامين إلى ثلاثة أعوام. أما القروض غير المستخدمة في النفقات الأولية (وتشمل غالباً ميزان مدفوعات صندوق النقد الدولي للدعم) من شأنها رفع الاحتياطيات بمقدار 27 نقطة مئوية أخرى.
الاتفاق مع صندوق النقد
إن توصل لبنان لحلول بخصوص صندوق النقد الدولي والمساعدات الخارجية الأخرى، سيشكل عاملاً أساسياً لتحقيق الاستقرار الأولي والتنفيذ اللاحق لنموذج تمويل جديد. في المرحلة الأولى، ستكون هذه الأموال ضرورية لتوفير بعض البدائل لفقدان التمويل الخارجي من أجل ضمان استيراد الضروريات الأساسية، وإعادة الإعمار بعد الانفجار في مرفأ بيروت. أما في المرحلة الثانية، ستكون الإصلاحات ضرورية ليس للحصول على التمويل وحسب، ولكن أيضاً لوضع الاقتصاد على مسار مستدام.
بالنسبة للسيناريو الموضح في هذا التقرير، يفترض الخبراء أن لبنان سيتوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي هذا العام، رغم تنويههم بأن هذا الأمر - مثل أي متغير آخر في هذه العملية - غير مؤكد إلى حد كبير.
الاقتطاعات
الافتراضات الواردة في التقرير، تتضمن أيضاً اقتطاعات بنسبة 65 في المئة على ديون العملات الأجنبية و 20 في المئة على الدين المحلي. وللتبسيط، هم يفترضون أن ثلث هذه العملية سيحدث هذا العام، وما تبقى سيليه في العام المقبل. كما يجب أن تكون عمليات الاقتطاع هذه مصحوبةً بإعادة تفاوض بشأن شروط الدين المتبقي، من أجل زيادة آجال الاستحقاق، وتقليل عائدات السندات وإدخال فترات السماح.
وللتوضيح أكثر، يُشار أن هذا التخفيض في عبء دفع الفائدة هو أمر بالغ الأهمية، إذ أن عبء سعر الفائدة الحقيقي المرتفع هو ما أدى إلى خروج الديون عن السيطرة في المقام الأول. ووفق حسابات المجموعة الأميركية، ساهم معدل الفائدة الحقيقي الفعلي بنسبة 42 نقطة مئوية في الزيادة البالغة 46 نقطة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بين عاميّ 2012 و 2019.
ويلفت الخبراء أن تخفيض نسبة الاقتطاع على الديون بالليرة هو أمرٌ ممكن، لأن التضخم المرتفع على مدى السنوات المقبلة سيؤدي إلى تآكل قيمة الأسهم الكبيرة وسحب معدل الفائدة الحقيقي الفعلي إلى المنطقة السلبية العميقة. من الناحية النظرية لن يكون من الضروري حتى تخفيض الديون بالعملة المحلية لتجنب التخلف عن السداد، لكن تبقى هناك شكوك تحوم حول امتلاك الدائنين الدوليين شهية (إضافية) ليخوضوا تجارب تشابه النظرية النقدية الحديثة.
سعر الصرف
وفيما يتعلق بسعر الصرف، يرى الخبراء أنه يجب أن يؤدي توحيد سعر الصرف وتوقف المصرف المركزي عن طباعة النقود، في نهاية المطاف، إلى خفض التضخم. وما سبق ذكره يشكل عامل بالغ الأهمية لخفض معدلات الاقتراض المحلية إلى مستوى معقول. وجراء ذلك يُفترض حدوث تخفيض مبدئي لقيمة الليرة اللبنانية لتصل إلى ما يعادل 4300 مقابل الدولار الأميركي الواحد (السعر الرسمي).
بحلول نهاية عام 2024، يقّدر خبراء المجموعة الأميركية، أن معدل سعر الصرف الرسمي سيكون 8300 ليرة مقابل الدولار. وعلى المدى القصير، سيكون توحيد أسعار الصرف بموجب نوع من التعويم، مصدراً لمزيد من التضخم. مع التأكيد على عدم وضوح إذا كان معدل التضخم سيكون أعلى بكثير مما هو عليه في ظل النظام الحالي لأسعار الصرف المتعددة. وعند الحديث عن المدى المتوسط، يجب أن يساعد معدل موحد أكثر استقراراً للصرف في خفض التضخم مرة أخرى.
الإيرادات الضريبية
في المحصلة، يرى الخبراء أنه في السنوات الأولى من التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، سيشهد لبنان عجزاً أولياً في الموازنة لا مفر منه، في ضوء الحاجة إلى إعادة الإعمار وربما مساعدة القطاع المالي. ومع ذلك، يُعتقد أن برنامج صندوق النقد الدولي قد يحاول تشجيع زيادة الإيرادات الضريبية. فنظراً لضعف الامتثال الضريبي، يجب إعطاء الأولوية للجهود المبذولة لتحسين التحصيل الضريبي الذي يمكن أن يكون كافياً بدلاً من زيادة معدلات الضرائب. وحتى الفائض المتواضع في مؤشر الميزان الأولي، من شأنه، وفق تقييم الخبراء، أن يساهم في جعل التوازن المالي أكثر قابلية للإدارة، ويجب أن تكون مدفوعات الفائدة (كحصة من الناتج المحلي الإجمالي) أقل بعد تخفيضات رأس المال والتضخم.