المصدر: المدن
الكاتب: عزة حاج حسن
الأحد 13 تشرين الثاني 2022 17:40:33
تصب فوضى القرارات الصادرة عن السلطة السياسية غالباً في صالح التجار، ما يطرح تساؤلات حول تعمّد اتخاذ قرارات في غير موعدها، وأحياناً اتخاذ قرارات والتراجع عنها، وتالياً فتح مسارب وممرات للتجار للتهرب من متوجبات عليهم، وتحقيق أرباح ومكاسب على حساب المستهلكين.
اتخذت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي منذ أشهر قراراً يقضي باعتماد سعر صرف وسطي للدولار الجمركي عند 15000 ليرة بدلاً من 1500 ليرة، في محاولة منها لتأمين مزيد من الإيرادات المالية، لتغطية نفقات الموازنة العامة، لاسيما بند الرواتب والأجور. وبصرف النظر عن عشوائية القرار وغياب التفسير العلمي لاختيار 15000 ليرة للدولار دون أي سعر آخر، غير أن القرار رُبط بشكل نظري عمداً بقانون موازنة 2022.
أقرت الموازنة لاحقاً ودخلت حيّز التنفيذ في الرابع من الشهر الجاري، بعد مرور شهر على إحالتها إلى رئاسة الجمهورية وعدم توقيع الرئيس السابق ميشال عون عليها، ولكن تم تعليق قرار رفع الدولار الجمركي إلى أجل غير مسمى، بانتظار تشكيل حكومة فعلية وإسناد القرار رسمياً إليها وتحميلها تبعاته. فما الذي حقّقه التجار؟ وهل يمكن للوزارة المعنية حماية المستهلكين لاحقاً من عدم استغلالهم لتحقيق أرباحاً مضاعفة؟
مكاسب التجار
حين دخل ملف الدولار الجمركي في التداول وبات موضوع تجاذب ومزايدات بين السياسيين في الأشهر الفائتة، باشر التجار حينها مضاعفة عمليات استيراد البضائع بموجب الدولار الجمركي الحالي (1500 ليرة) تمهيداً لفرض دولار جمركي جديد عند 15000 ليرة، في محاولة لتحقيق أرباح إضافية مع بدء تطبيق القرار. ونظراً لكون القرار لم يطبّق حتى اللحظة، استمر التجار باستيراد البضائع وتخزينها في مرفأ بيروت وفي مستودعاتهم، حتى أن منهم من استأجر مستودعات جديدة لتخزين بضائع فاقت بحجمها كل ما تم استيراده خلال الأعوام السابقة.
وكانت الارقام الصادرة عن مديرية الجمارك اللبناني في وقت سابق، قد فضحت الارتفاع الهائل بالاستيراد عشية إقرار الدولار الجمركي، فبلغت خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2022 أكثر من 10.5 مليار دولار مقابل 7.8 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، أي بارتفاع كبير بلغ 2.7 مليار دولار أو ما نسبته 34 في المئة.
مضاعفة المستوردات
أما اليوم، فتفيد الأرقام بأن مرفأ بيروت يشهد حركة استيراد كبيرة جداً لمختلف أنواع السلع والبضائع، بدءاً من السيارات المستعملة مروراً بكافة المواد الاستهلاكية، ووصولاً إلى المواد الغذائية. وبالنظر إلى تراجع القدرة الشرائية لدى عموم اللبنانيين بالمقارنة مع ارتفاع حجم الاستيراد، يتضح جلياّ الهدف الكامن وراء نشاط التجار على خط الاستيراد، وهو اغتنام فرصة سداد الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة وفق سعر الصرف الرسمي الحالي 1500 ليرة، وتحقيق أرباح تصل إلى نحو 10 أضعاف في المرحلة المقبلة، بعد دخول قرار رفع الرسم الجمركي إلى 15000 ليرة حيز التنفيذ.
وحسب الأرقام، فإن حجم البضائع والسلع المستوردة عبر مرفأ بيروت ارتفعت كثيراً خلال الاشهر التسعة الأولى من العام الحالي، وبلغ وزنها الاجمالي 3.239 ملايين طن مقابل 2.892 ملايين طن خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، أي بزيادة كبيرة قدرها 347 الف طن ونسبتها 12 في المئة.
أما أكثر الأرقام غرابة، فكان من نصيب السيارات المستعملة، إذ حقق استيراد السيارات المستعملة ارتفاعاً كبيراً بلغ نسبة 54 في المئة، وبلغ مجموعها 20205 سيارات مقابل 13079 سيارة. أي بزيادة كبيرة جداً قدرها 7126 سيارة.
ضبط السوق شبه مستحيل
من هنا بات واضحاً مضاعفة التجار مستورداتهم بداعي تحقيق أرباح كبيرة لاحقاً، لاسيما أن البضائع يجري تخزينها وليس توزيعها في السوق المحلية. وهو ما تشهده المستودعات الخاصة ومستودعات المرفأ التي تغص بالبضائع بكافة أنواعها.
أما وقد أعلن وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الاعمال مؤخراً، في تعميم له، مواجهته للتجار الذين راكموا مستورداتهم واستغلوا رفع سعر الدولار الجمركي (نظرياً) لزيادة الأسعار وتحقيق أرباح غير مشروعة.. فلا تتعدى قيمة تعميمه الحبر على الورق، لأسباب ترتبط بعجز الوزارة عن ملاحقة المتجاوزين من التجار على مساحة لبنان، إضافة إلى شبه استحالة تعقّب البضائع التي دخلت بموجب الدولار الجمركي 1500 ليرة وبيعت لاحقاً مشمولة بالدولار الجمركي 15000 ليرة.
وأكثر من ذلك طلب وزير الاقتصاد من الشركات المستوردة للسلع الغذائية والاستهلاكية تزويد مديرية حماية المستهلك بلوائح السلع المستوردة، على أن تتضمن الكميات المتوفرة حالياً في المستودعات وأسعار مبيعها. وهو أمر، أكد مصدر من الوزارة نفسها، بأنه غير قابل للتطبيق ولا للتحقق من البضائع المستوردة والمخزنة للبيع لاحقاً.