المصدر: المدن
الكاتب: غادة حلاوي
الثلاثاء 22 نيسان 2025 01:22:40
بعد صمتٍ طويل، عاد حزب الله إلى رفع الصوت والتهديد على خلفية سحب سلاحه. أكثر من موقف عالي النبرة في يوم واحد. عاد رئيس وحدة الارتباط والتنسيق، وفيق صفا، إلى لهجته ذاتها في الحديث والهجوم. في اليوم ذاته، رفع الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، سقف الخطاب، متحدثًا ولأول مرة بلهجة تهديد، ومحاولًا التقليل من أهمية الحديث عن سحب السلاح. لكأنها كلمة سر داخل حزب الله، أو لكأن الحزب قرر مغادرة صمته، تعزيزًا لحضوره، نزولًا عند رغبة بيئته الحاضنة، التي ما عادت تستسيغ غيابه.
على المستوى الداخلي، كانت المواقف الأخيرة دلالة أرادها حزب الله على تعافيه وخروجه من أزمته، بعد ترتيب بيته الداخلي، وإنجاز تشكيلاته الداخلية في جميع مؤسساته السياسية والأمنية، والانتهاء من مرحلة المراجعة والتحليل، وإن كان لا يزال مستهدفًا ويتخذ إجراءات أمنية معينة حيال مجموعة من قادته، لا سيما من بينهم المتوارون عن الأنظار. جسّد حزب الله عودته وكرّسها على خط المشهد السياسي من جهة، ومن جهة ثانية، شعر بالحاجة إلى شدّ العصب عشية الانتخابات البلدية والاختيارية، التي ستكون انعكاسًا للانتخابات النيابية من ناحية الاستعدادات ونِسَب المشاركة.
ضبط الإيقاع
لكن لم يكن حديث الأمين العام ومواقفه مجرد شدّ عصب، بقدر ما حمل من رسائل، المقصود منها ضبط الإيقاع المتعلق بالضغط من أجل تسليم سلاح المقاومة. شعر حزب الله أن دائرة المواقف التصعيدية في هذا الإطار تتوسع، وأن موضوع سحب السلاح بات موضوع الساعة، وقد تغلّب بحضوره على اعتداءات إسرائيل المتكررة وانتهاكها لاتفاق وقف إطلاق النار. هذا الاتفاق، الذي وأيًّا تكن بنوده والشوائب التي تعتريه، يبقى اتفاقًا ساري المفعول، ويلتزم حزب الله بتنفيذه، بينما لا تتوقف إسرائيل عن انتهاكه.
لكن المواقف المقرونة باللهجة العالية للشيخ قاسم لم ترق للرئاسة الأولى، ولا لشريك حزب الله في الثنائية، أي رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي لم يكن يفضل، بالتأكيد، رفع اللهجة بالشكل الذي حصل.
ونسبةً لما قاله الأمين العام، وما تقصّد إعلانه من موقف، فإن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، كان من بين المقصودين بالخطاب الأخير، خصوصًا بعد تشبيه واقع حزب الله بالحشد الشعبي في العراق، ومواصلة الحديث عن تسليم السلاح، وحصرية الدولة بتملّكه، بينما يتم غض الطرف عن انتهاكات إسرائيل المتكررة. وبعد الكلمة، انشغلت الأوساط القريبة في تحليل الخلفيات، وسارع حزب الله إلى تدارك الأمر، بإرسال رسائل باتجاه بعبدا، تؤكد العلاقة مع رئيس الجمهورية، وتدعم مواقفه، وتثمّن ما قاله في بكركي عن الحوار مع الحزب حيال السلاح.
لا إشكال مع عون
يعتبر حزب الله أن أمينه العام تعمّد وضع الأمور في نصابها، بعد الكلام الكثير الذي أُثير حول السلاح، وتعمد إغفال الخروقات الإسرائيلية. ويؤكد أنه لا إشكال في العلاقة مع رئيس الجمهورية، ولكن المقصود كان رفع السقف، لتعزيز موقف لبنان حيال المفاوضات لانسحاب إسرائيل. كما يرى أن رئيس الجمهورية يتفهم خلفيات الموقف، وهو من أكثر من يتعاطى معهم الحزب بعقلانية وتفهم متبادل.
يرى الحزب أن الحديث عن السلاح لا يزال في نطاق تبادل الرسائل مع الرئاسة الأولى، ولم يصل إلى مستوى الحوار الفعلي بعد. وما يفضله هو بحث استراتيجية دفاعية تحدد كيفية التعاطي مع هذا السلاح. لكأن مواقف حزب الله المتمسكة بالسلاح، تظهر على شاكلة ردّ على محاولات الضغط عليه من الداخل والخارج معًا. وهو يتعامل على قاعدة تقول: بدل رفع الخطاب التحريضي على السلاح، فليكن رفع الصوت رفضًا لاستمرار احتلال إسرائيل وانتهاكاتها المستمرة للاتفاق مع لبنان. يريد حزب الله للدبلوماسية أن تحقق انسحاب إسرائيل، وتمنح لبنان ضمانات لناحية وقف الانتهاكات المتكررة، وأبعد من ذلك، فالسلاح يفترض أن يكون، من وجهة نظره، ورقة ضغط للتفاوض لا موضع خلاف. ويعتبر نفسه قد سلّف أوراقًا حيال تسليم قواعد عسكرية في جنوب الليطاني وبعض شماله، فما المطلوب منه بعد؟
يرفض الحزب نزع السلاح من باب الاستسلام، لأنه ضمنًا لا يركن إلى الدبلوماسية، وإن كان يمنح الدولة فرصة لذلك. ولا يريد أن يكون السلاح ورقة ضغط لإعادة الإعمار أو فكّ الخناق عن لبنان. يصرّ على التحدث عن أوراق قوة لا يزال يحتفظ بها، قد لا تكون عودة إلى الحرب.
من الواضح أن مقاربة السلاح باتت تتمّ اليوم من باب مستقبل الشيعة، ربطًا بالمنطقة، وانطلاقًا من مخطط قديم–جديد للنيل من وجودهم. الخوف هو مما تطمح إليه إسرائيل في المنطقة، والسيناريو المطلوب تنفيذه في مرحلة ما بعد السلاح، وصولًا إلى الانتخابات البلدية والنيابية لاحقًا.
لدى حزب الله معطيات موثوقة حيال مقاربة سلاحه في المنطقة، وخلفيات التجييش ضده في الداخل. وقد بات يتحدث عن ربط الملف بمستقبل الطائفة "المستهدفة".
عينه أيضاً على سوريا، التي يعتبرها مثالًا يعزز الخشية ويبررها. فمستقبل العلويين ومصيرهم الراهن مثار قلق، وكذلك توسّع إسرائيل ومجاهرتها في التمركز في نقاط قريبة جدًا من الحدود مع لبنان. على المستوى الداخلي، ربما كان حزب الله، وعلى سبيل علاقة حسن النية مع عون، يقارب مسألة السلاح انطلاقًا من استراتيجية دفاعية، لكن هواجسه وأبعاد تمسكه بهذا السلاح تؤكد أن مصيره لا يتوقف على حوار داخلي، بل يدخل ضمن مسار تسوية معينة، تعززها مفاوضات الولايات المتحدة مع إيران، التي عادت لتمسك زمام الوضع الداخلي مع حزب الله، على شاكلة ما كانت عليه في زمن ما قبل الأمين العام السيد حسن نصرالله.
مرحلة جديدة يُقبل عليها حزب الله، ستعكس مستقبله بعد رحيل نصرالله. فهل هذا معناه القفز فوق أي خصوصية لبنانية في التعاطي، أم أن لإيران نظرة جديدة حيال الوضع في لبنان؟
لا تُبدي مصادر ديبلوماسية غربية تفاؤلًا بمواقف حزب الله الأخيرة، وتقول إن رفع اللهجة لا يُلغي أن الوضع بات في غاية الحساسية، كاشفةً أن رئيس الجمهورية، كما رئيس مجلس النواب نبيه بري، قد تبلّغا أن لا انسحاب إسرائيليًا قريبًا من النقاط التي لا تزال تحت الاحتلال، وأن الضغوط ستستمر إلى أن يُحقق رئيس الجمهورية خطوات في هذا الاتجاه، تحت وطأة ازدياد العدوان الإسرائيلي واستمرار استهداف حزب الله.
وتمضي المصادر قائلة إن الولايات المتحدة لم تُصغِ إلى تحفظ المسؤولين، وكانت رسائلها واضحة وحاسمة في هذا الصدد، لتختم بالقول إن أي حديث خارج إطار سحب السلاح ليس ذا جدوى.