كان لافتا كلام رئيس الجمهورية ميشال عون في ربطه إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مساء الخميس الماضي بملف إعادة النازحين السوريين. وإذ أشار إلى أنّ اتفاقية الترسيم "هي هدية للشعب اللبناني بكل فئاته"، كشف أنّه "ستبدأ الأسبوع المقبل عملية إعادة النازحين السوريين على دفعات إلى بلدهم، الأمر الذي يعتبر قضية مهمة بالنسبة إلينا". فهل ينهي الرئيس ميشال عون عهده بإنجاز تاريخي ثانٍ بعد خطة الترسيم بإعادة 920 عائلة من النازحين السوريين إلى بلادهم الذين سجلوا أسماءهم على اللائحة التي وصلت إلى مديرية الأمن العام ومن المقرر أن تنطلق القافلة في خلال أسبوعين، ويختم الملف عند هذا الرقم التاريخي؟

وفق الإحصاء الأخير لمفوضية اللاجئين يصل عدد النازحين إلى مليون ونصف المليون ،880 ألفا منهم مسجلين على لوائحها و400 ألف عامل هذا عدا عن الولادات اليومية مما يرجح أن يكون العدد تجاوز المليوني نازح سوري على مساحة 10452 كيلومتر مربع أي ما يقارب الفرد لكل كيلومتر مربع وربما أكثر.

فهل يكفي وضع خطة وتحديد عدد العائدين شهريا ب15 ألفا دون وضع خطة وإذا سلمنا بالطموح الرئاسي فمن يضمن عدم عودة القسم الأكبر من النازحين عبر الحدود المتفلتة التي تشهد يوميا تهريب أطنان من مواد الطحين والمازوت والبنزين والبشر؟

قد يكون "الطموح أبعد من حدود "تحقيق إنجاز تاريخي ثانٍ" في نهاية عهد عون، أو "الخطة المبيتة" إذا جاز التعبير وهذا ما يخشاه وزير الدولة لشؤون النازحين الأسبق معين المرعبي الذي يؤكد عبر"المركزية" أنه لا توجد ضمانات للعودة وأكثر ما أخشاه أن تكون هناك أهداف خطيرة وراء تزامن خطة العودة مع التطورات الحاصلة في الحرب الروسية على أوكرانيا بحيث يرجّح وجود خطة تهدف إلى تجنيد العائدين من كل الأعمار والإستعانة بهم كمرتزقة للقتال إلى جانب الجيش الروسي الذي بدأ يعاني نقصاً حاداً في عديده نتيجة تكبده خسائر بشرية فادحة، وهروب الشبان الروس من خدمة التجنيد الإجباري".

خشية المرعبي ترتكز على وقائع، إلا أنه يشكك بالتوازي من إمكانية تطبيق خطة "إعادة النازحين"، معتبرا أنها لا تتجاوز "الفقاعة" في نهاية هذا العهد واستكمالا لفيلم إعادة النازحين الذي انطلق عرضه الأول عام 2017 خلال توليه وزارة الدولة لشؤون النازحين إلا أنه توقف من دون معرفة الأسباب.

أمر آخر يشير إليه المرعبي من شأنه أن يطيح بخطة إعادة النازحين ويتمثل بالفلتان الحاصل على الحدود، ويقول" ماذا يمنع عودة دخول أعداد جديدة من النازحين الذين شملتهم الخطةفليطبقوا أولا خطة منع تهريب المازوت والبنزين والطحين عبر الحدود الشمالية لضمان عدم عودة النازحين السوريين إلى لبنان من جديد وإلا "على مين عم يضحكوا؟".

تنص خطة لبنان بشكل أساسي على إعادة 15 ألف لاجئ من القرى والضواحي الآمنة كل شهر، أي حوالي 180 ألف لاجئ في السنة، على أن يكونوا محميين ولهم مراكز إيواء مؤمنة مع كافة مستلزمات العيش والحياة، من بنى تحتية وكهرباء ومياه صرف صحي وطرقات ومدارس وغير ذلك.هذا ما هو مقرر في "الخطة الإفتراضية"، لكن على أرض الواقع المشهد مختلف. ويسأل المرعبي:" لماذا لم نقرأ او نسمع عن ورشة إعادة إعمار القرى والمناطق التي نزح منها السوريون  إلى لبنان؟ وماذا يمنع أن يبادر رئيس النظام السوري بدعوة النازحين للعودة إلى قراهم وبيوتهم وتقديم المساعدة لهم لإعادة إعمارها وطمأنتهم بانهم لن يتعرضوا للإعتقال أو إجبارهم على الذهاب إلى "الجندية" أو خطفهم أو حتى اغتيالهم على أيدي الجيش النظامي أو عناصر حزب الله؟ ويلفت إلى أن إذا كانت خطة إعادة النازحين جدية على الدولة أولا إزالة الأسباب الموجبة التي دفعتهم إلى النزوح وهي تمركز حزب الله في مدن وبلدات واحتلالها وتحويل أراضيها إلى مساحات لزراعة الحشيشة ومنصات صواريخ ومعامل لتصنيع الكابتاغون. عندها يمكن التفكير جديا بعودة آمنة وطوعية. وما عداه فيلم طويل بنسخة منقحة عن العام 2017 ".

ما يحذر منه المرعبي سبق أن رفعته منظمات دولية إلى الأمم المتحدة ونبهت من مخاطر أي إعادة قسرية للاجئين السوريين. وفي تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، تم التطرق إلى ما واجهه اللاجئون السوريون الذين عادوا بين 2017 و2021 من لبنان والأردن من انتهاكات حقوقية جسيمة واضطهاد على يد النظام السوري والميليشيات التابعة له، معتبرة أن أي إعادة قسرية إلى سوريا ترقى "إلى مصاف انتهاك لبنان للالتزامات بعدم ممارسة الإعادة القسرية – أي إجبار الأشخاص على العودة إلى بلدان يواجهون فيها خطرا واضحا بالتعرض للتعذيب أو باقي أنواع الاضطهاد".ماذا تغير اليوم؟  لا شيء باستثناء التحذير المحلي من وجود مخطط دولي لدمج النازحين السوريين بالمجتمع اللبناني مما سيؤدي حتما إلى تغيير ديمغرافي. والظاهر أن المجتمع الدولي المنشغل في المرحلة الحالية بأزمة الغاز والنفط التي تعاني منها أوروبا نتيجة الحرب على أوكرانيا إضافة إلى صب كل اهتماماته على تعزيز قدرات وإمكانات صمود النازحين من أوكرانيا إلى دول أوروبية، لم يعد يهتم بما سيؤول اليه مصير النازحين السوريين في لبنان سواء لجهة دمجهم لأسباب ديمغرافية معينة أو لجهة مصيرهم الأسود الذي سيواجهونه بعد عودتهم إلى سوريا. وعليه يوجه المرعبي رسالة إلى المجتمع الدولي يحمله فيه عواقب عودة النازحين السوريين "الذين سيتم استغلال وضعهم الإجتماعي لا سيما فئة الرجال بغض النظر عن أعمارهم  وتقديم الإغراءات المالية لهم مقابل تجنيدهم في صفوف المرتزقة للقتال في صفوف الجيش الروسي المترنح ضد أوكرانيا".

ويختم المرعبي مؤكدا"نحن حريصون على عروبة سوريا التي تتحقق بعودة كريمة وطوعية وآمنة للنازحين إلى قراهم وبيوتهم، لكن في هذه الظروف ووفق هذه الشروط نعتبر أن الخطة لا تتجاوز الفقاعة في نهاية العهد".