خطة الطوارئ "التربويّة" للعام الدراسي الجديد: مجرّد "شكليّات"

يتعرض القطاع التربوي لضغوطات غير مسبوقة تهدد استمراريته في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بلبنان. ومع اقتراب موعد العودة إلى المدارس في أيلول المقبل، تعود إلى الواجهة التحديات الجسيمة التي تواجه التعليم الرسمي والخاص؛ لا سيّما في ظل الحرب الدائرة في المناطق الحدودية الجنوبية والاعتداءات التي يشنها العدو الإسرائيلي على مناطق جديدة من الناحية الجغرافية، وتزايد التهديدات بتوسيع نطاق النزاع. إذ تتجاوز هذه الابتلاءات المسائل الأمنية لتشمل أزمات بنيوية مثل الانقطاع المتكرر للكهرباء، وضعف البنية التحتية الرقمية، وصعوبة الوصول إلى الإنترنت، وهي عوامل تجعل من التعليم عن بُعد حلاً بعيد المنال لكثير من الطلاب والاساتذة.

جميع الخطط الوزارية "وهمية"

انطلاقا من كل ما تقدم، وفي ظل هذه المعطيات، تصبح الحاجة إلى وضع خطة تربوية شاملة وفعالة أكثر إصرارا من أي وقت مضى، بحيث يجب أن تأخذ في الاعتبار السيناريوهات المختلفة، بدءا من تعزيز البنية التحتية للتعليم الرقمي وضمان استمرارية توفير الطاقة الكهربائية، وصولا إلى تطوير أساليب بديلة مثل التعليم المختلط الذي يجمع بين الحضور الفعلي والتعليم الالكتروني.

علاوة على ذلك، يتطلب الوضع الحالي التفكير في سبل الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب والمعلمين على حد سواء، الذين يعيشون تحت أعباء نفسية هائلة نتيجة الظروف الأمنية والاقتصادية. في هذا السياق، يبرز دور "الشراكات" بين القطاعين العام والخاص، وكذلك التعاون مع المنظمات الدولية، لضمان توفير الموارد اللازمة لدعم العملية التعليمية، سواء من خلال تأمين الأجهزة الإلكترونية أو تقديم المساعدات المالية للأسر المتضررة.

ويبقى السؤال الأكثر إلحاحا كيف يمكن للقطاع التربوي في لبنان أن يتجاوز هذه الصعوبات الضخمة ويواصل أداء دوره الحيوي وسط الأزمات المتفاقمة؟

تطوير المناهج في لبنان...

خطوات نحو التعليم المستدام

في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، يؤكد أكاديميون لـ "الديار" "أن هناك عدة محاور استراتيجية أساسية لضمان فعالية خطة التربية. تأتي عملية تقوية البنية التحتية الرقمية في مقدمة هذه النقاط، وهو ما يستلزم الاستثمار في تحسين شبكة الإنترنت بشكل دائم. لتحقيق ذلك، يمكن دعم المبادرات الحكومية والخاصة التي تهدف إلى تجويد هذه الخدمات، إلى جانب استخدام تقنيات الطاقة البديلة لضمان استمرارية الكهرباء في المدارس والمنازل. بالإضافة إلى ذلك، يجب تطوير التعليم عن بُعد من خلال تصميم برامج تعليمية متكاملة وقابلة للتكيف مع الوضع الراهن، تتضمن محتوى تعليمي رقمي سهل الاستخدام ومناسب لجميع الفئات العمرية. كما يتعين تدريب المعلمين على تقنيات التعليم عن بُعد وتزويد الطلاب بالأدوات اللازمة لمتابعة دراستهم".

وشددوا على "ان تنويع طرق التدريس يمثل ضرورة أخرى، حيث من المهم أن تشمل الخطة التعليمية مجموعة مختلفة من التكتيكات المطورة، للحفاظ على عمل هذا القطاع مهما كانت الظروف. وتتطلب المناهج أيضاً إعداد استراتيجيات طوارئ تتضمن سيناريوهات مختلفة للأزمات، مثل الانتقال الفوري للدراسة عن بُعد في حال تصاعد النزاع أو انقطاع الخدمات الأساسية. ومن الضروري أيضاً إنشاء شبكات دعم مجتمعية لضمان ديمومة "التربية" في المناطق المتضررة".

واعتبروا "أن الدعم الاجتماعي من الأولويات ويعد محوراً أساسياً، ويجب تقديم المؤازرة المعنوية للطلاب والمعلمين بالتساوي، وذلك للتعامل مع الضغوط النفسية الناجمة عن الأزمات، وضمان بيئة تعليمية آمنة ومستقرة قدر الإمكان. كما ان توطيد التواصل بين المدارس وأولياء الأمور يساعد أيضاً في متابعة التقدم التعليمي للأطفال".

وختموا " تؤدي "الشراكات" مع المنظمات الدولية والمحلية دوراً حيوياً في تأمين الموارد والمساندات اللازمة للقطاع التعليمي، مثل توفير أجهزة إلكترونية للتلاميذ أو مساعدة مالية للأسر التي تعاني من اوضاع مالية صعبة. وبتنفيذ هذه المحاور بفعالية، يمكن التصدي لهذه العقبات التي يواجهها القطاع التربوي، وضمان استمرار العملية التعليمية حتى في أشد الظروف".

الخطة لا تحمل جديدا!

أشار رئيس لجنة المتعاقدين في التعليم الأساسي في لبنان، الدكتور حسين محمد سعد لـ "الديار" إلى "أن العام الدراسي المقبل سيواجه اختبارات مهمة ومفصلية، خاصة في المناطق الحدودية التي تشهد اشتباكات وقصفا ونزوحا. وخلال زيارتي الاخيرة الى وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال، عباس الحلبي، قبل نحو أسبوع، ناقشنا هذا الموضوع. لكن يبدو بصراحة أن الأمور ستظل كما هي. فعلى سبيل المثال، لا يزال عدد من الأهالي والطلاب صامدين في منطقة بنت جبيل وبعض القرى الجنوبية الأخرى. اما الطلاب الموجودون مباشرة على الحدود مع فلسطين المحتلة، فقد غادروا مناطقهم منذ بداية الاعتداءات والتحقوا بالمدارس في صيدا أو بيروت، حسب المنطقة التي انتقلوا إليها".

وكشف لـ "الديار" عن "خطة مشابهة لتلك التي وُضعت العام الماضي، وتشمل التحاق الطلاب بالمراكز الآمنة، وكذلك الأساتذة سواء كانوا متعاقدين أو من ملاك أو مستعان بهم حسب الحاجة. كما ينبغي أن يكون المتعاقدون متاحين للمناطق التربوية القريبة من مكان إقامتهم لتغطية الشواغر. ويجب على الأساتذة من الملاك إعلام المناطق التربوية أو الوزارة لتأمين عملية النقل والانتقال إلى مدارس أخرى".

وأكد أن "الأمور في هذا المجال لا تختلف عما كانت عليه في العام الماضي، ولم يطرأ أي جديد، إلا إذا تدهورت الأوضاع الأمنية على الحدود، وفي هذه الحالة قد تخرج الأمور عن إرادة وزارة التربية وكل اللبنانيين".

وتابع "لقد أصدر الوزير عباس الحلبي تعميماً يفرض على الجهات المعنية فتح المدارس في المناطق التي حددها وبعض المعاهد المهنية الكبرى، مثل معهد نبيه بري الفني ومعهد آخر في طرابلس. تأتي هذه الخطوة في إطار استعدادات أزمة الطوارئ، حيث تُخصص هذه المؤسسات لتكون تحت تصرف المواطنين في حال اضطر أهالي الجنوب والضاحية الجنوبية وبعلبك الى النزوح، مما يوفر لهم أماكن جاهزة للسكن، بخاصة للعائلات غير القادرة على تحمل تكاليف إيجارات الشقق السكنية".

هل تشير هذه الاستعدادات إلى أن الحرب وشيكة لا محالة؟ يجيب سعد: "هذه النقطة تحمل دلالتين: الأولى، أن الحكومة بدأت تهيئ الأرضية أكثر فأكثر مع اقتراب اندلاع الحرب، مما قد يؤدي إلى اتساع رقعتها بشكل أكبر. الثانية، أن هذه الاحتياطات قد تكون مجرد تدابير احترازية في حال تمددت دائرة المعارك. ولكن، إذا لم تستمر المواجهات القتالية وظلت الأمور على حالها، فإن العام الدراسي الجديد سيكون طبيعياً على نسق السنة الفائتة".

مضاعفة بدل الإنتاجية "مرتين"!

وعن بدلات الإنتاجية، قال سعد: "يعمل الوزير على مضاعفة بدل الإنتاجية ليصبح 600 دولار بدلاً من 300. أما بالنسبة الى أجر الساعة، فسيكون 300 ألف ليرة في التعليم الأساسي، بما في ذلك التعليم الثانوي والمهني، في حين أن أعلى أجر قد يصل إلى 450 ألف ليرة. في ما يخص المستعان بهم، فمن البديهي أنه عندما تقوم الوزارة برفع أجر ساعة الأساتذة المتعاقدين، يتم التواصل مع الدول المانحة لزيادة بدل الساعة لهؤلاء، مما يتيح لهذه الفئة الاستفادة من هذا القرار في كلا الدوامين الصباحي أو المسائي".