خطة ترامب وتحديات تطبيقها بالكامل

تفق مجمل المراقبين على أن المرحلة الأولى من خطة دونالد ترامب، والتي تتعلق بالإفراج عن الإسرائيليين "الرهائن أحياء كانوا أو أمواتا"، وبعدها تفرج إسرائيل عن عدد معين من الأسرى الفلسطينيين، ستجد طريقها إلى التنفيذ رغم بعض العثرات التي يمكن استيعابها ومعالجتها. يدفع في هذا الاتجاه ازدياد حالة الحصار الديبلوماسي التي تواجهها إسرائيل بسبب حربها المفتوحة على غزة، واعتمادها في شكل شبه كلي على الموقف الأميركي الداعم لها وبالتالي عدم قدرتها على رفض خطة ترامب وإسقاطها وتحمل تداعيات ذلك.

قمة شرم الشيخ أيضا تشكل عنصر ضغط إضافي في هذا الاتجاه. وللتذكير، فإن القمة وفق رؤية المشاركين فيها، باستثناء الولايات المتحدة الأميركية، تربط بين إطلاق تنفيذ خطة ترامب وإدراج ذلك في الذهاب نحو تسوية حل الدولتين، تبعا لـ"بيان نيويورك" الأخير. ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن خطة ترامب (البند ١٩) تشير بعد تعداد عدد من الشروط الواجب توافرها إلى ما يأتي: "قد تتهيأ الظروف أخيرا لفتح مسار ذي صدقية نحو تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية". موقف يهدف إلى ملاقاة الآخرين في شكل غير مبدئي وغير ملزم، ويفتح الباب لشروط مختلفة، وهو قابل للتملص منه بصيغ وأعذار ومعطيات متعددة.


الشروط التي تطرحها الخطة الأميركية والتي تقوم على إلغاء كلي لدور الفصائل الفلسطينية المختلفة، "حماس" وغيرها، لـ"تنظيف غزة" من السلاح وكل البنى العسكرية التي قد تسمح بالمقاومة في مرحلة مقبلة، ستؤدي من دون شك إلى مزيد من التعقيدات مستقبلا في مسار الاستقرار الضروري والمطلوب لإعادة الحياة الطبيعية (إذا امكن تسميتها كذلك) إلى القطاع. ولا بد من التذكير بأنه بالنسبة إلى السياسة الإسرائيلية، فإن المطلوب فك الارتباط العضوي في حقيقة الأمر وفي الواقع بين قطاع غزة والضفة الغربية.
في المنظور الإسرائيلي الفعلي، يجري الحديث عن شعبين مختلفين لا يفترض أن تكون هنالك علاقة تأثر أو تأثير بينهما. يعكس ذلك بالطبع الرؤية الإسرائيلية الحاكمة حاليا والتي تعتبر أن غزة هي مشكلة أمنية بالنسبة إليها، فيما الضفة الغربية جزء من دولة إسرائيل الكبرى، إسرائيل التاريخية التي يعاد بناؤها بقوة وبسرعة. 


عناصر كثيرة تحمل تحديات للمرحلة الثانية في خطة ترامب، ويمكن اختصار الإستراتيجية  الإسرائيلية في هذا الخصوص كما يأتي: المطلوب تحييد غزة كليا عن تطورات الصراع في الضفة الغربية التي ستزداد تصعيدا وعنفا من طرف إسرائيل كما هو واضح في سياسة استكمال الضم الفعلي للضفة الغربية، من دون الإعلان عن "الضم الرسمي"، تجاوبا مع مطلب الرئيس الأميركي. لكن هذا الأمر يبقى بعيدا كل البعد من الواقع الفلسطيني. فيمكن إحداث تقطيع بالقوة في الجغرافيا الوطنية لشعب معين، الشعب الفلسطيني في هذه الحالة، ولكن لا يمكن إحداث انفصال في الهوية الوطنية لشعب معين، الشعب الفلسطيني في هذه الحالة، وما تحمله هذه الهوية من مشاعر تضامنية تنعكس بالطبع في سلوكيات فردية وجماعية. هذا الأمر من أهم دروس التاريخ: تاريخ الأمم التي عاشت تحت الاحتلال.


عملية حكم غزة في فترة انتقالية مفتوحة في الزمان عبر مستويين في بنية السلطة المطلوب إقامتها: مستوى إداري تنظيمي للحياة، يكون فلسطينيا، ومستوى إشراف سياسي بالمعنى الواسع والعام والشامل للسياسة، يكون دوليا بإدارة الرئيس الأميركي ومشاركة روساء دول وشخصيات أخرى. نجاح مسار من هذا النوع، رغم تعقيداته، يجب أن يرتبط بخريطة طريق وجدول زمني محدد، ولو مرنا، يؤدي إلى تحقيق قيام الدولة الفلسطينية (حل الدولتين) مما يسهل إنجاح هذا المسار وتوفير الدعم الفعلي له على أرض الواقع، وهذا ما لا تلحظه الخطة الأميركية، وهو ما سيزيد التعقيدات أمام إنجاحها على المديين المتوسط والطويل.


نقطة أخيرة لا بد من تأكيدها، هي أن إسرائيل ستجد نفسها أكثر قدرة بعد التخلص النسبي من "أعباء وأثقال" فرضتها حرب غزة، لتعزيز حربها على لبنان، المستمرة والمتزايدة منذ اتفاق وقف القتال الذي تم التوصل إليه في تشرين الثاني الفائت، وكأنما هذا الاتفاق يطبّق أحاديا على لبنان، فيما إسرائيل غير معنية بتنفيذه. وهذا موضوع حديث آخر .