المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
الاثنين 16 تشرين الثاني 2020 06:42:05
هَدَأت حالة التوتُّر مع الإيضاحات الآتية من المديرية العامة للنفط في وزارة الطاقة والمياه، والتي كانت تطمئن إلى أن فِرَق الدفاع المدني تسيطر على الحريق، فيما تتوجَّه فِرَق الصيانة إلى مكان الحريق للعمل على وقف التسرّب ومعالجة الأضرار. وحسب المديرية، فإن الحريق اشتعَلَ في نفط خام ممزوج بالمياه. مع الإشارة إلى أنَّ تشغيل الأنابيب متوقّف منذ نحو 40 عاماً. فمن أينَ أتى النفط ليشتعِل؟
نفط غير صالح للاستعمال
لم تكن المرّة الأولى التي تشتعل فيها أنابيب النفط. إذ يعمَد عدد من المواطنين إلى إحداث ثقوب في خط الأنابيب للاستفادة من النفط الموجود داخلها. لكن هذه المرّة كان ردّ فعل مَن حاوَلَ الحصول على النفط، عنيفاً جداً، ربّما على قدر الضغط الاقتصادي الذي يعانيه.
لم يجد الباحث مراده في الأنابيب، فمحتواها ليس سوى نفط خام لا يمكن استعماله من دون تنقية ومعالجة وفصل للمواد. ومنشآت النفط تُبقي كميات من النفط داخل الأنابيب كي لا يصيبها الصَدَأ والتآكل فيما لو كانت فارغة تماماً. والناس لا تعلم أنَّ النفط الآتي عبر الأنابيب، غير صالح للاستعمال المباشر.
ترجيحات لا أكثَر
لا احتكاك لمواد كيميائية داخل الأنابيب، ولا عَمَلَ إرهابياً أصابها، على عكس الترجيحات الأوّلية التي ترافقت مع الإعلان عن الحريق. بعض الأقاويل ربطت العَمَل بالمؤامرة الاقتصادية على لبنان، فضَرْبُ خط إمداد النفط الخام من العراق إلى طرابلس، هدفه إضعاف قدرة لبنان على الاستفادة من نفطه المستقبلي، أو من النفط العراقي. كما يصبّ إحراق الأنابيب في خانة توجيه رسالة إلى منشآت النفط، مفادها القدرة على الوصول إلى المصافي، وتهديد أي عملية استفادة منها على غرار الاتفاق مع شركة روسنفت. إذ لاح في الأفق منذ بداية العام 2019، إمكانية إعادة ضخ النفط من العراق إلى منطقة البداوي عبر مصفاة طرابلس، نتيجة تواصل بين لبنان والعراق. وبالتوازي، وقَّعَت وزارة الطاقة عقد تطوير منشآت تخزين النفط في طرابلس، مع شركة روسنفت.
إلى جانب تلك الاحتمالات، بَرَز احتمال سحب النفط من الأنابيب وتهريبه إلى سوريا، لكن هذا الاحتمال هو الأضعف تقنياً، لأن كميات النفط الموجودة في الأنابيب، لا تكفي لسحبها وتهريبها، ولا جدوى من فعل ذلك.
لا حماية للأنابيب
تمتدّ الأنابيب من العراق إلى لبنان، ولا شيء يحميها سوى الصدفة، وهي في أكثر من بقعة داخل العراق وسوريا، غير محمية وتتعرّض للاختراق والنهب، خصوصاً في ظل تصاعد حدّة المعارك في العراق وسوريا. لكن على الجانب اللبناني، لا يحصل شيء يزيد عمّا حصل يوم السبت. وإن حَصَلَ المزيد، فلا طائل منه سوى التخريب.
في المقابل، فإنَّ منشآت النفط غير قادرة على حماية الخط سوى بطمره بالتراب أو صبّ الاسمنت فوقه، ولا نيّة وإمكانية لاعتماد أحد الخيارين، فالكلفة المادية مرتفعة، إلى جانب التعدّيات السكنية على طول الخط. وبالتأكيد، لا يمكن وضع حراسة دائمة على الخط، إلاّ من خلال خطّة أمنية دائمة وقرار سياسي وتقني، يمنع ويزيل التعدّيات على الأملاك العامة، وهو أيضاً خيار غير متوفّر، ويعيد إلى الأذهان واقع خط سكّة الحديد وما آلت إليه منشآت سكة الحديد.
في ستينيات القرن الماضي كان خط النفط يمدُّ منشآت النفط بالكميات الكافية لسد حاجة لبنان. وبَدَلَ تطوير العمل في المنشآت، قرَّرَت السلطة السياسية إعدام الخط والمنشآت وتحويلها إلى خردة. علماً أنَّ دراسات علمية كثيرة وُضِعَت بهدف صيانة مصافي النفط وإعادة تشغيلها، لكن، على مدى عقود، لم تجد آذاناً صاغية من الدولة، وتحديداً من وزارة الطاقة. علماً أنَّ مرور الوقت يصعِّب المَهَمَّة ويجعلها أكثر كلفة، وصولاً إلى انعدام القدرة على الصيانة بتاتاً.