خفوت استراتيجيّ لإيران في سوريا و"حزب الله" نحو "الكنف اللبنانيّ"

خسرت إيران حضور الميليشيات الموالية لها على الأراضي السورية ورُقَع النفوذ التي كانت تحت سيطرتها، مع سقوط النظام السوريّ الذي دحرج مع اندثاره وجود مقاتلين شكّلوا المدّ البشريّ داخل الجغرافيا السورية طيلة سنوات للإبقاء على سلطة إيران في المشرق العربيّ وتأمين طريق الإمداد العسكري مع محور "الممانعة" من العراق حتى لبنان الذي لم يعد سالكاً باعتراف الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم الذي أكّد خسارة "حزب الله" طريق الإمداد عبر سوريا في هذه المرحلة. لم تستطع طهران التأقلم السريع مع سقوط النظام السوري بما في ذلك على مستوى المواطنين الإيرانيين أيضاً، فإذا بالحكومة الإيرانية عملت على إرجاع 4 آلاف إيرانيّ من سوريا نحو إيران عبر رحلات جوية في الأيام الثلاثة التالية لانهيار نظام بشار الأسد.

 بقي الخطاب الإيراني الرسميّ غير مستقرّ المنحى إزاء التحوّل السوريّ، وأغدق المرشد الإيراني علي خامنئي في الانتقاد السياسي لما حصل في سوريا نافياً أن يكون سقوط نظام بشار الأسد سيضعف إيران. لا يلغي ذلك التعويل الإيراني على محادثات مؤتمر "آستانة" مع ترجيح وزارة الخارجية الإيرانية أن المسار الديبلوماسي يعتمد على تطورات الوضع في سوريا وقرارات إيران وروسيا وتركيا. ورغم اعتراف إيران و"حزب الله" بالخسارة في سوريا لمّح الأخير إلى مطلب استرجاع طريق الإمداد مع وجود نظام جديد أو البحث عن طرق أخرى.

في متابعة "النهار" لأجواء المرصد السوري لحقوق الإنسان، تأكيد على أنّ الوجود الإيراني في سوريا انتهى عسكرياً لكن المسألة أكثر شمولاً من ذلك، لأن الوجود الشعبي الإيراني انتهى أيضاً فيها بعدما خسرت إيران معارضي نظام بشار الأسد بعد مشاركتها في قتل المعارضين السوريين فيما اعتبر مؤيدو النظام السابق أن إيران خذلتهم. وإذ لا يمكن إغفال خسارة إيران في سوريا اقتصادياً، فإنّ المرصد السوري يخفض من أيّ تعويل لإيران على نفوذ يمنحه لها مؤتمر "آستانة" بعد سقوط نظام بشار الأسد. فإذا استطاعت إيران أن تقوّي حضورها الديبلوماسي في سوريا خلال فترة لاحقة، فذلك لن يكون بمثابة استرجاع للنفوذ مع خسارة طريق الإمداد بتأكيد المرصد السوري أيضاً الذي يتحدث عن اضمحلال قدرة محور "الممانعة" على استرجاعه.

على مستوى سياسي مراقب لمنحى التطورات، تقليلٌ من إمكان قدرة إيران على استعادة نفوذها في سوريا، فيما لم تتراجع قوّتها آنياً في الأيام التي سبقت سقوط نظام بشار الأسد بل تباعاً في غضون سنوات ضربت فيها إسرائيل القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا.

من ناحيته، يقول المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية حازم الغبرا لـ"النهار" إن "سوريا كانت مركز قوة لإيران في المنطقة لكنّه انهار، والفوضى هي الطريقة الوحيدة لترجع إيران إلى سوريا عبر أذرعها الإلكترونية. وإذ تتساقط الأحجار الإيرانية في المنطقة، فإنّ ما استثمرته إيران في العقود الماضية ينتهي سريعاً مع رفض الشعوب لها". ويضيف أن "إيران تنتهج لعبة المدى الطويل وتحاول التنازل عند الضعف والتوسّع عند القدرة، لكن هناك شيئاً جديداً حالياً هو رفض شعبي لإيران في العراق واليمن أيضاً". حيال "حزب الله"، يستنتج حازم الغبرا أنه "حتى لو حاول "حزب الله" الرجوع إلى خطاب البدايات فإن ذلك غير ممكن لأن العالم تغيّر. وإذ هناك انكماش إيراني، فإنّ الخاسر لا يستطيع إملاء الشروط".