خلافات نتنياهو وغالانت تتصاعد.. ما تأثيرها على مسار الحرب؟

بينما تقترب الحرب في غزة من إتمام شهرها الثالث، لا تزال سلسلة الخلافات مستمرة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقادة الجيش وبالأخص وزير الدفاع يوآف غالانت، لتظهر آخر فصولها في منع لقاء للأخير مع رئيسي الموساد والشاباك.

وكشف تقرير للقناة الـ12 الإسرائيلية أنه كان من المقرر أن يعقد غالانت اجتماعا عاجلا مع رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي، ورئيسي الموساد دافيد برنياع، وجهاز الأمن العام "الشاباك" رونين بار، بشأن العمليات العسكرية والحرب مع حماس، حيث كان مقررا إرسال نتائجه إلى نتنياهو للموافقة عليها، بيد أن رئيس الوزراء تدخل لمنع إتمام اللقاء.

ويعتقد مراقبون ومتخصصون في الشؤون الإسرائيلية، في حديث لهم مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أن الخلافات بين نتنياهو وقادة الجيش ليست وليدة الحرب، لكن هجمات 7 أكتوبر عمقتها بعد تحميل رئيس الحكومة للمؤسسات الأمنية مسؤولية ما جرى، فضلًا عن تدخله في منع الكثير من الاجتماعات المشتركة بين قادة الأجهزة الأمنية، وتنفيذ بعض السياسات التي أثارت غضبهم.

تفاصيل الأزمة

أوضحت القناة 12 أن المناقشة بين غالانت ورئيسي الموساد والشاباك "عملياتية في زمن الحرب، وكان من المفترض طرحها للحصول على موافقة رئيس الوزراء".
في حين أن نتنياهو لا يستطيع منع غالانت من الاجتماع مع كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين، فإن كلا من الموساد والشاباك يخضعان لسلطة مكتب رئيس الوزراء.

علق مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على التقرير بالقول إن "نتنياهو لا يفرض قيودا على رئيس الموساد، يمكنه أن يأتي إلى أي مناقشة تخضع لمسؤوليته، ولكن المجلس الوزاري الحربي هو الجهة التي ترسم السياسات وتقرر في أمر الأسرى والمفقودين".
ألمح مكتب نتنياهو بذلك إلى أن الاجتماع الرباعي كان من المقرر أن يبحث مسألة لها علاقة بقضية المختطفين الإسرائيليين.

ذكر التقرير أن قرار إفشال الاجتماع "يأتي في ظل تفاقم الخلافات بين نتنياهو وغالانت".
على نفس المنوال، اعتبرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أن هذا القرار يأتي بعد 4 أيام من تقارير عن اجتماع مماثل بين وزير الدفاع ومدير الموساد كان مقررًا أن يتناول مناقشات بشأن "اليوم التالي" للحرب، وتدخل نتنياهو لمنعه أيضا، مع تزايد شعور بعدم ثقة رئيس الوزراء الواضح بوزير دفاعه، مما أثار تساؤلات بشأن التداعيات الأمنية المحتملة.

ووفقا لموقع "واي نت" الإسرائيلي، أثار غالانت غضب نتنياهو قبل أيام بعد أن طلب وزير الدفاع إحاطة من رئيس الموساد عند عودته من رحلة سرية إلى باريس لمناقشة صفقة الرهائن، حتى قبل أن يقوم بإخبار رئيس الوزراء.

أزمة الحرب

من جهته، قال نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط، مايك ملروي، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنه بعد هجمات 7 أكتوبر، أنشأت إسرائيل ما يسمى بحكومة الحرب التي تجمع كبار قادة الأحزاب السياسية المعارضة، وشمل ذلك بيني غانتس، وهو جنرال سابق في الجيش الإسرائيلي.

وأوضح ملروي أن هناك انقساما راهنا في مجلس الحرب بشأن مسار العمليات في غزة، فهناك من يرغب في الانتقال إلى مرحلة جديدة من العمليات، بينما يدعو وزير الدفاع لمواصلة مرحلة الكثافة العالية لعدة أشهر أخرى، متابعًا: "أعتقد أن الجيش الإسرائيلي في منتصف وجهات النظر".

وأشار ملروي، الذي سبق أن عمل في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، إلى أن أبرز النقاط الرئيسية للخلاف بين نتنياهو وقادة الجيش تتمثل حالياً في كيفية الانتقال للمرحلة الثانية من الحرب.

كما يرى الباحث الأميركي المتخصص في شؤون الأمن القومي، سكوت مورغان، في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن مستقبل نتنياهو السياسي يعتمد على نتيجة الحرب الراهنة، وبالتالي فإن واحدة من القضايا الرئيسية للخلاف الراهن هي أن رئيس الوزراء يريد إلقاء اللوم بشأن هجوم 7 أكتوبر إلى قادة الجيش وعدم استعدادهم لمنعها، وبالتالي يخرج سالما حتى بعد انتهاء العمليات العسكرية.

وأضاف: "بطبيعة الحال، فإن السياسيين يكون لهم الكثير من التصرفات والتصريحات التي تضيق ذرعا بها القيادة العسكرية"، معتبرا أن الأمر سيتصاعد حال استمر خلافات نتنياهو وغالانت كما هي الحال حالياً.

انتقادات وارتباك

من جهته، اعتبر الأكاديمي والمحلل المتخصص في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن هناك تبادل اتهامات بين المستوى السياسي والمستوى العسكري في إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، وظهر للعلن في الكثير من المواقف، مما أثار تساؤلات جمّة بشأن مستقبل العلاقة بينهما وتأثير ذلك على مستوى الحرب.

وقال أنور، إن هناك إصرارا من جانب نتنياهو على عدم جاهزية الجيش، وتمثل ذلك في عدم تحقيق إنجازات استراتيجية متمثلة في دحر حماس والمقاومة الفلسطينية، أو اعتقال أحد قيادات الحركة، أو تحرير المحتجزين والأسرى، أو وقف الرشقات الصاروخية.

وأوضح أنه مع استمرار سقوط قتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي في شمال غزة وجنوبها على حد سواء بعد نحو 3 أشهر من بدء العمليات، ظهر نجل نتنياهو يائير لتشويه صورة الجيش ووزير الدفاع ورئيس الأركان، وفي ذات السياق رفض نتنياهو مقابلة رئيس الأركان مرتين، وأهانه بتفتيشه بحجة البحث عن أجهزة تسجيل وتسريب ذلك للصحف.

في المقابل، أوضح أنور أن المستوى العسكري في إسرائيل يعتقد أن استفزازات حكومة نتنياهو للفلسطينيين فور تشكيلها هو سبب التصعيد الراهن، وأن استئناف القتال بعد الهدنة الإنسانية وتقديم طلبات تعجيزية للوسطاء كان أمرًا سلبياً في ظل الانقسام الداخلي وفقدان الثقة في سياسات نتنياهو، وفي ظل الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد الإسرائيلي واستمرار الضغوط الدولية لوقف القتال، وعدم وضوح الرؤية بشأن مستقبل قطاع غزة بعد الحرب.

ولفت إلى أن هناك الكثير من القيادات العسكرية السابقة دعوا دون مواربة إلى ضرورة رحيل حكومة نتنياهو باعتبارها المسؤولة سياسياً عما جرى في 7 أكتوبر، كما يساندون قادة الجيش ضد رئيس الوزراء، وعلى رأسهم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق دان حالوتس، والجنرال الإسرائيلي غيورا إيلاند.

وسبق أن قال حالوتس إن إسرائيل خسرت الحرب ضد حماس، وأن صورة النصر الوحيدة التي ستتحقق هي الإطاحة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، داعياً أنصار المعارضة لبناء تحالف ضده.
كيف مضى الخلاف منذ 7 أكتوبر؟

قالت صحيفة "معاريف" العبرية، إن الخلاف تصاعد بين نتنياهو ووزير الدفاع منذ السابع من أكتوبر الماضي، مشيرة إلى وجود خلافات قديمة بينهما لكن الحرب عمقتها.

خَلص تحليل نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إلى أن نتنياهو منع اتخاذ قرار بشأن عملية استباقية في الشمال ضد حزب الله على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي ووزير الدفاع أوصيا بتنفيذ هذه العملية.

في أواخر أكتوبر، أشارت الصحيفة لوجود خلافات بين رئيس الحكومة الإسرائيلي وكبار المسؤولين في الجيش بشأن التقييمات والخطط والقرارات، معتبرة أن هناك "أزمة ثقة" بين الجانبين وعلاقات متوترة بين نتنياهو وغالانت "تعرقل العمل المشترك".
نشر نتنياهو تدوينة في نهاية أكتوبر، حمّل فيها رئيسي "الشاباك" والاستخبارات العسكرية مسؤولية الفشل في رصد عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها حماس، قبل أن يضطر لحذفها بعد فترة وجيزة.

تعرض نتنياهو، للهجوم من عضو مجلس الحرب بيني غانتس، وزعيم المعارضة يائير لابيد، بعد منشوره، إذ قال غانتس: "عندما نكون في حالة حرب، يجب على القيادة أن تظهر المسؤولية".
لاحقا اعتذر رئيس الوزراء الإسرائيلي عن تلك التدوينة، حيث كتب: "لقد أخطأت، لم يكن ينبغي أن أكتب تلك التدوينة وأعتذر عنها.. أنا أدعم بشكل كامل جميع رؤساء الأذرع الأمنية".

وخلال مؤتمر صحفي له، رفض نتنياهو تحمل أي جزء من المسئولية عن الفشل، وتهرب من سؤال طرحه أحد الصحفيين عليه بهذا الشأن، قائلًا: "بعد انتهاء الحرب علينا جميعا أن نقدم إجابات عن الأسئلة الصعبة".

كما أثار نجل نتنياهو جدلا وغضبا في إسرائيل، بعد هجومه على الجيش والمحكمة العليا، حيث شارك منشورات تلوم الجيش الإسرائيلي على الفشل الذي حدث في 7 أكتوبر، عندما أدى هجوم حماس المفاجئ إلى مقتل 1200 شخص واحتجاز نحو 240 رهينة.

ردت منظمة "إخوة السلاح" التابعة لجنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي على انتقادات ابن نتنياهو، بالقول: "عليك أن تنتظر إلى الحقائق. أنت تجسد الغطرسة وأبوك يجسد التعتيم والذنب. لقد انتهى عصر تأثيركم الخبيث".

كما أثار غياب وزير الدفاع غالانت عن عدة مؤتمرات صحفية مشتركة لرئيس الوزراء تساؤلات بشأن الخلافات، ووقتها قال نتنياهو إنه اقترح على غالانت عقد مؤتمر صحفي مشترك وهو "اختار ما اختار"، في إشارة لرفضه في ما بدا وكأنه "خلافات بينهما".

وفي مطلع الشهر الجاري، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، أن حراس مكتب نتنياهو، طلبوا تفتيش رئيس أركان الجيش، هرتسي هاليفي، لدى دخوله مكتب الحرب بحثا عن جهاز تسجيل، في الوقت الذي "غضب هاليفي وتوجه داخل الغرفة إلى الحاضرين، وعبر عن استيائه من الأمر".

مؤخرًا، وصلت الخلافات بين نتنياهو وقادة المؤسسات الأمنية إلى مناقشات اليوم التالي للحرب، حيث لا يرغب الجيش في منع هذه المناقشات لوقف القتال في التوقيت اللازم، بيد أن نتنياهو رفض ذلك الأمر الذي سيؤدي إلى "خلط أوراق اللعب"، وفق ما ذكر تقرير القناة الـ12 الإسرائيلية.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أشارت تقارير إسرائيلية إلى أن نتنياهو منع رئيس الموساد دافيد بارنيا، من الاجتماع بشكل خاص مع وزير الدفاع غالانت لمناقشة ملف المختطفين لدى حماس، في حين انتقد رئيس الموساد السابق يوسي كوهين هذا الأمر.