المصدر: النهار
الكاتب: علي حمادة
الخميس 19 أيلول 2024 07:28:07
يمكن إدراج عملية البيجر كإحدى أكبر الضربات التي وجهتها إسرائيل خلال أربعة عقود الى "حزب الله". إنها حقاً ضربة أكثر من موجعة. إنها كارثة تحل على الحزب المذكور على المستويات كافة، من الأمني والعسكري الى التنظيمي والمجتمعي. ومن هنا لا بد من التوقف ملياً عند خيارات "حزب الله" المتاحة وغير المتاحة. فالأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله يلقي كلمة بعد ظهر اليوم، وجمهوره ينتظر منه أن يعلن عن رد جدي مغاير للرد على اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر. وفي الميزان معنويات البيئة الحاضنة، والتنظيم بفروعه كافة، لا سيما أن عاماً من حرب "الإسناد" تمخض عن كارثة بالتنظيم بعدما خسر أكثر من ٥٠٠ عنصر وقائد ميداني ومركزي في حرب أقل ما يقال فيها أنها أنهكت الحزب وأنهكت البيئة الحاضنة.
والأهم أنها أنهكت البلاد، وأحدثت شرخاً عمودياً خطيراً في التركيبة اللبنانية أدى الى تنامي المطالبات من داخل معظم المكونات الأخرى بالانفصال عن لبنان – "حزب لله" والاكتفاء بالعيش في لبنان آخر لا يكون فيه الحزب المذكور القوة المهيمنة كما الحال اليوم. لقد فشل الحزب المذكور في الحرب التي تورط فيها وورط فيها لبنان الآخر غير الراضي عن المسار الاستسلامي للمستوى الرسمي والقيادي الذي يدرج دائماً تحت شعار "درء الفتنة".
إن "مجزرة البيجر" كارثة ومؤلمة على الصعيد الإنساني الى حد أنها تتطلب منا أن نصارح قيادة الحزب بالقول إنه حان أوان الخروج من هذه الحرب العبثية التي تورطت فيها رغماً عن كل اللبنانيين بمن فيهم هؤلاء الذين يتملقون "حزب الله". هذه ليست حرب لبنان. والتضامن مع غزة والفصائل المقاتلة هناك لا يعني أن نضع لبنان على حافة الهاوية لأكثر من عام، وأن ينتهي الامر بما حصل يوم أمس. وكل ما حصل حتى الآن من تدمير لقرى وبلدات جنوبية، ومقتل مئات المقاتلين ومن حولهم جراء الاستهدافات الإسرائيلية، ونزوح اكثر من ١٤٠ ألف مواطن من بيوتهم، وأخيراً وليس آخراً آلاف المصابين بعملية تفجير البيجر على امتداد الخريطة اللبنانية، وصولاً الى سوريا يدفعنا الى الاستنتاج أننا بتنا أمام خيارين: إما النزول من الشجرة وطي ملف الحرب غير المجدية، أو مواصلة المقامرة بحياة الناس من البيئة الحاضنة وخارجها.
أمام "حزب الله" مجموعة من الخيارات: إما أن يرد بقوة موازية لحجم عملية البيجر، فينزلق سريعاً نحو حرب واسعة ومدمرة مع إسرائيل، أو أن يكتفي بالانتقام على طريقة الانتقام السابق لدماء قائده العسكري فؤاد شكر فيزيد من عمق أزمته المعنوية تجاه بيئته، وبقية البيئات اللبنانية الغاضبة من تفرده بالتورط في حرب، فينتكس أكثر على المستوى المعنوي. ومعلوم أن صورة "حزب الله" ومعنويات مقاتليه وجمهوره تمثل ركناً أساسياً من أركان قوته وبقائه مؤثراً في لبنان حيث قاعدته الرئيسية. والخيار الثالث ألا يرد على العملية فيقر بهزيمة معنوية وعسكرية واضحة يصعب عليه أن يتحملها. في كل الأحوال كل الخيارات صعبة ومعقدة. ومن المؤكد أن الإسرائيليين يراقبون الحزب المذكور عن قرب وبدقة. وعلى عكس ما تروّج له الماكينة الدعائية لمحور الممانعة، فإن الإسرائيليين للمرة الأولى منذ عقود يطلبون الحرب، ويسعون إليها لتصفية حساب قديم مع الإيرانيين و ذراعهم في لبنان أي "حزب الله". ويضعون في اعتبارهم أمراً جوهرياً، أن التعايش مع ١٠٠ ألف صاروخ وقوة عسكرية من بضع عشرات الآلاف من المقاتلين بعد عملية "طوفان الأقصى" غير وارد إطلاقاً. ومن هنا خطورة الموقف الذي أقحم فيه لبنان عنوة.