المصدر: اللواء
الكاتب: العميد الركن نزار عبد القادر
الأربعاء 5 تشرين الثاني 2025 08:00:38
هل يجب ان نصدّق ان منطقة الشرق الاوسط قد بدأت بالفعل مساراً متسارعاً للتحول والبدء بحل كل الازمات المزمنة المستمرة منذ اكثر من قرن كامل، وبأن نقطة البداية لهذه التحوّلات الكبرى هي الخطة التي قدّمها الرئيس ترامب والمؤلفة من عشرين نقطة من اجل وقف النار وانهاء الحرب في غزة؟
بالفعل نجحت هذه الخطة في دفع حماس لتسليم جميع الرهائن الاسرائيليين الاحياء، وهي جادة لتسليم جثث الرهائن من الاموات، وبالرغم من الانتكاسات التي شهدها القطاع والتي اودت في يوم واحد الى استشهاد ما يزيد عن مئة فلسطيني، كان الرئيس ترامب ما زال متفائلا بنجاح الخطة لوقف الحرب وفتح الباب لتطورات عديدة على كل من الجبهتين السورية واللبنانية، بالاضافة الى وضع حد واضح للنفوذ الايراني في المنطقة.
وكان اللافت ايضاً بأن الرئيس ترامب قد ذهب بعيداً في تصوراته لمستقبل المنطقة من خلال الحديث عن اقتراب فجر السلام، ودفع المنطقة الى مستقبل زاهر اقتصادياً وعمرانياً.
من الممكن ان تنجح خطة انهاء الحرب في غزة، لكن ذلك لن يضمن استمرار تلاقي المصالح الاسرائيلية مع المصالح الاميركية، وذلك انطلاقاً من اقتناع اليمين الاسرائيلي بأن الانتصارات التي حققتها اسرائيل على مختلف جبهات القتال هي نتيجة لقدرات اسرائيل القتالية المتفوقة تكنولوجياً وميدانياً، والتي يضعها في موقع السيطرة الاستراتيجية لعقود مقبلة، حيث لن تستطيع أية قوة اقليمية مواجهتها. وستؤدي هذه الحالة الى انفتاح مستوى الغطرسة الاسرائيلية، وبالتالي الدفع لمخالفة التوجيهات الصادرة عن البيت الابيض.
تسارع الى القول بأن اسرائيل ترغب بالتأكيد في استغلال الجهود الاميركية من اجل فتح صفحة جديدة من التعاون الواسع مع الدول العربية الخليجية، لكن تحسن العلاقات بين هذه الدول وايران، وخصوصاً بعد المصالحة السعودية - الايرانية، بوساطة صينية قد يعرقل تحقيق مثل هذا التعاون والانفتاح الاقتصادي الذي ترغب به تل أبيب. ويبدو بوضوح ان علاقات الرئيس ترامب بقيادة الدول الخليجية سيسهل نمو العلاقات الاميركية - العربية بمعزل عما تريده او ترغب به اسرائيل او اللوبي الاسرائيلي داخل الولايات المتحدة.
في الواقع استفادت اسرائيل من الصدمة التي احدثتها عملية «طوفان الاقصى» وسهلت لها الحصول على دعم اميركي غير محدود، وبما سمح لها لاطلاق هجماتها المدمرة ضد جميع جبهات محور الممانعة الايراني، وقد سجلت خلال عملياتها انتصارات كبرى وكلفتها تخطت العديد من « الخطوط الحمر» التي قامت عليها التوازنات الاقليمية، وخصوصاً لجهة اغتيال قيادات كبيرة في صفوف اعدائها من اسماعيل هنية داخل طهران الى حسن نصر الله، الى قيادات ايرانية بارزة داخل سوريا، ووصولاً الى اغتيال رئيس وزراء الحوثيين في اليمن وعدد من وزرائه. وحققت اسرائيل انجازاً عسكرياً لم تكن تحلم به في الماضي وذلك من خلال مهاجمتها للداخل الايراني، وتدمير العديد من المواقع النووية الهامة وابرزها محطة ناطيز لتخصيب اليورانيوم. لكن يبدو ان الغرور والغطرسة الاسرائيلية لا يقفان عند حدود، وهذا ما دفعها الى محاولة اغتيال قيادات حماس في عاصمة قطر، حيث اظهرت القيادة الاسرائيلية تعديها لكل الضوابط في مراعاة المصالح الاميركية الكبرى، وهذا ما دفع الرئيس ترامب في رأينا لوضع كامل ثقله السياسي لفرض وقف اطلاق النار في غزة. والتعبير عن ارادته للعمل على احلال السلام في المنطقة،وكانت نقطة الانطلاق لهذا التحوّل الاساسي في موقف ترامب ورؤيته الجديدة لمستقبل المنطقة بالضغط الذي مارسه شخصياً لاجبار نتنياهو على قراءة نص اعتذار رسمي على امير قطر على الهاتف.
لكن طريق انهاء الحروب في غزة وعلى جبهات محور الممانعة، الاخرى لن تكون مفروشة بالزهور بالرغم من الجهود التي تبذلها الدول العربية والاسلامية التي اجتمعت امس الاول في اسطنبول لدرس الخطوات لتنفيذ المرحلة الثانية من خط ترامب، والتي ما زالت التحفظات الاسرائيلية تمثل عقبات كبرى امامها.
في رأينا لن يكون من السهل على اسرائيل ان تلعب الدور الاستراتيجي الذي تطمح الى لعبه من خلال تفوقها العسكري، فهناك مطالب اساسية لدى الافرقاء والآخرين وأبرزها العمل فعلياً لتحقيق السلام، والذي تبقى قضيته انشاء دولة فلسطينية نقطته المحورية. والدول العربية والاسلامية تنظر الى ترامب وادارته كقوة ضامنة لتحقيق هذا المسار الصعب، في مواجهة الرفض الاسرائيلي المتمثل بقوة اليمين الاسرائيلي، وان اكبر دليل على ذلك القراءة الثانية لقانون ضم الضفةالغربية في الكنيست في خضم المساعي الاميركية لوقف الحرب.
في الوقت الذي تتضافر فيه جهود الدول العربية والاسلامية للتحضير لانطلاق المرحلة الثانية من خطة غزة، تأتي زيارة الرئيس السوري احمد الشرع الى واشنطن خلال هذا الشهر لتضفي المزيد من الامل والتفاؤل للتحولات الاقليمية الكبرى برعاية الرئيس ترامب. كما يبرز التبدل النوعي في الموقف اللبناني بدعوة الرئيس جوزاف عون للحوار مع اسرائيل، والذي يفتح الباب لتفادي وقوع حرب جديدة على لبنان، وبالتالي فتح كوَّة في جدار الازمة المستمرة بين اسرائيل ولبنان، والتي توحي وفق العمليات الاسرائيلية اليومية، ووفق تصريحات المسؤولين الاسرائيليين بقرب شن اسرائيل لعملية عسكرية واسعة للقضاء على ما تبقى من قدرات حزب الله القتالية.
يبدو ان الرئيس عون قد اقتنع اخيراً بأن ليس هناك من بديل لوقف العملية الاسرائيلية وتأمين الانسحاب من الجنوب واستعادة الاسرى الا بالحوار مع اسرائيل، مبرراً قراره بالقول: «ان لغة الحوار هي اهم من لغة الحرب، والتي رأينا ما خلفته من نتائج كارثية». وجاء تصريح الرئيس عون بعد تكثيف اسرائيل لعملياتها في لبنان في اطار ممارسة اقصى الضغوط على حزب الله بعد اعلانه تكراراً رفضه للانصياع لقرار مجلس الوزراء اللبناني بنزع سلاحه في الخامس من آب الماضي.
يدرك الجميع في لبنان بأن نزع سلاح حزب الله بات يشكل المدخل الوحيد الى واحة السلام الاقليمي الموعود. وهناك طريقان لسلوك هذا المسار: الاول، باستعمال القوة من خلال وضع الجيش في مواجهة الحزب، والثاني، من خلال الدخول في مفاوضات مباشرة مع اسرائيل، برعاية اميركية. والتوصل الى حل لا يملك الحزب القدرة على نقضه سياسياً او عسكرياً.